الإطار الشرعي للوقف
الإطار الشرعي للوقف
(الأسس ـ المجالات ـ المقاصد)
الدكتور الشيخ علاء الدين زعتري
أمين الفتوى ـ وزارة الأوقاف
alzatari@scs-net.org
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه الطيبين، وبعد:
فإن الوقف - كان ولا زال - على مدار التاريخ الإسلامي، يهتم بالأبعاد الإنسانية إلى جانب كونه عبادةً دينية في المقام الأول.
وحضارتُنا الإسلامية المجيدة زاخرة بالأمثلة والشواهد التي تُشير إلى عظمة الوقف في مجالات التربية والتعليم والثقافة والاقتصاد والاجتماع، والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة.
والوقف باب من أبواب الخير الكثيرة، انتهجته الأمة الإسلامية لتحقيق القربات والأعمال الصالحة ابتغاء مرضاة الله.
فقد جاءت الشريعة الإسلامية بالحث على عمل الخير، والإنفاق في سبيل الله، ومن ذلك وقف الأموال وتحبيسها على أبواب البر والإحسان؛ فإن الوقف من الصدقات الجارية في حياة المتصدق وبعد وفاته، يعم خيرها، ويكثر برها، وتتضافر بها الجماعة في مد ذوي الحاجات، وإقامة المساجد، وإنشاء دور الخير من مستشفى جامع يطب أدواء الناس، ومدارس ومعاهد تنشر العلم وترفع الجهل، ونُزُل تؤوي أبناء السبيل، وملاجئ تؤوي اليتامى.
وهو يعكس حكمة الإسلام في وقف الأموال، مع بقاء عينها لمصالح خيرية دائمة، فهو بذلك مغاير للفهم المعروف من الإنفاق، والمحصور بالصدقات على الفقراء والمساكين فقط.
وهو أحد التشريعات التي تحقق المصلحة للمجتمع الإسلامي، وعليه فقد ندب الإسلامُ المسلمينَ لفعله لما فيه من مصالح جمة، ومنافع عديدة، وفوائد تعود على المجتمع بالخير الكثير.
والوقف أسلوب إسلامي يدخل في إطار الصدقات الجارية التي حض عليها الإسلام لتوفير مصدر ثابت ومستمر لتمويل الحاجات العامة، ورعاية الطبقات الفقيرة.
وللوقف دور كبير في عملية التنمية، وفي معالجة المشكلات الاقتصادية.
وإن الدارس للحضارة الإسلامية يقف معجبًا كلّ الإعجاب بدور الأوقاف في المساهمة في صناعة الحضارة الإسلامية والنهضة الشاملة للأمة.
وإن من يقرأ تاريخ الوقف يجد أن الوقف شمل مختلف جوانب الحياة من الجامعات والمستشفيات إلى الأوقاف الخاصة بالحيوانات.
وكان الوقف يمثل بؤرة النهضة العلمية والفكرية على مدار القرون، حيث أسهم الواقفون في مساندة المسيرة التعليمية.
وذلك عن طريق تشييد المدارس والإنفاق عليها والإفادة من المساجد في التعليم، والعناية بتوفير مصادر للمعلومات عن طريق وقف الكتب على المدارس وجهات العلم المختلفة.
لذلك فإعادة دور الوقف تعني إعادة دور كبير للجانب الطوعي المؤسس لخدمة الحضارة والتقدم ولخدمة تنمية المجتمع وتطويره.
لقد استطاع الوقف على مر العصور أن يحفظ الهوية المتميزة للمجتمع الذي يعتنق الدين الإسلامي فأمسك على المجتمع كيانه من الداخل فلا ينهار، وأمسك على المجتمع كيانه من الخارج في مواجهة غارات العدوان والدمار.
فأين دوره اليوم، وما هي خطة العمل للمستقبل؟.
وقفوا فعشنا، فهل نفكر بالوقف لتعيش الأجيال.
إن مما يبرز أهمية الوقف أن بعض الدول غير الإسلامية والمتقدمة منها مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا ينتشر الوقف بها رغم انه ليس وراء ذلك دافع ديني إسلامي، ورغم كثرة المبتكرات لديهم من أساليب تمويل الخدمات الاجتماعية إلا أنهم أخذوا صيغة الوقف كما جاء بها الإسلام وطبقوها في مجالات عديدة مثل المستشفيات والجامعات، ومواجهة الكوارث وتقديم الإعانات للفقراء، كل ذلك يؤكد لنا أن مؤسسة الوقف ليست عملاً تراثياً من الماضي ولم يعد له حاجة في الوقت الحاضر.
تعريف الوقف
الوقف: الحبس والمنع. ويقال: وقفت كذا، وأوقفت كذا، أي حبسته ومنعته.
يقول ابن منظور في لسان العرب: وقف الأرض على المساكين: حبسها، ويقول في مادة حبس: والحبُس جمع الحبيس يقع على كل شيء وقفه صاحبه وقفاً محرَّماً، لا يورث ولا يباع؛ من أرض، ونخل، وكرْم، ومستغل.
وفي لسان العرب، يقال: حبست أحبس حبساً وأحبست أحبس أحباساً، أي: وقفت، والاسم الحُبيس بالضم.
وكان الوقف أول عهده يسمى صدقة وحبساً وحبيساً، وقال: وقفت الدار: حبستها في سبيل الله والجمع أوقاف.
قال في المصباح المنير: وحبسته بمعنى وقفته، فهو حبيس والجمع حبس.
والأحباس والأوقاف بمعنى واحد، غير أن الأولى شائعة عند المغاربة، والثانية شائعة عند المشارقة، وحبس الفرس في سبيل الله وأحبسها، فهو محبس وحبيس، جمعه: حبس والأنثى حبيسة والجمع حباس.
وفي الحديث: ذلك حبيس في سبيل الله([1])، أي موقوف على الغزاة، يركبونه في الجهاد.
وفي حديث وقف عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ: "إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا"([2]).
وفي حديث الزكاة: إن خالداً جعل رقيقه واعتدته حبساً في سبيل الله، أي وقفاً على المجاهدين وغيرهم.
وفي حديث ابن عباس: لما نزلت آية الفرائض قال النبي صلى الله عليه وسلم «لا حبس بعد سورة النساء» أي لا يوقف مال ولا يزوى عن وارثه، إشارة إلى ما كانوا يفعلونه في الجاهلية من حبس مال الميت ونسائه.
تعريف الوقف اصطلاحاً:
أما الوقف شرعاً فهناك تعاريف مختلفة؛ تبعاً للجواز واللزوم:
الاتجاه الأول: الوقف جائز غير لازم، وهذا الاتجاه لأبى حنيفة: وهو حبس العين على حكم ملك الواقف والتصدق بالنفقة على جهة الخير.
وبناء عليه: لا يلزم زوال الموقوف عن ملك الواقف ويصح لـه الرجوع عنه، ويجوز بيعه؛ لأن الأصح ـ عند أبى حنيفة ـ أن الوقف جائز غير لازم كالعارية، فلا يلزم إلا بأحد أمور ثلاثة:
* أن يحكم به الحاكم المولَّى لا المحكَّم.
* أن يعلقه الواقف بموته فيقول إذا مت فقد وقفت دارى فيلزم كالوصية من الثلث بالموت لا قبله.
* أن يجعله وقفاً لمسجد.
الاتجاه الثاني: الوقف لازم غير جائز، وهو لصاحبي أبي حنيفة وبرأيهما يفتى عند فقهاء الحنفية وفقهاء الشافعية وفقهاء الحنابلة: وهو حبس مال يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه بقطع التصرف في رقبته من الواقف وغيره على مصرف مباح موجود أو يصرف ريعه على جهة بر وخير تقرباً لله تعالى وعليه يخرج المال عن ملك الواقف ويصير حبساً على ملك الله تعالى.
والمراد: أنه لم يبق على ملك الواقف، ولا انتقل إلى ملك غيره.
الاتجاه الثالث: أن الوقف مؤقت، وهو لفقهاء المالكية: وهو جعل المالك منفعة مملوكة لـه – وكان مملوكاً بأجرة، أو جعل غلته كدراهم – لمستحق، بصيغة مدة ما يراه المحبِّس.
أي: إن المالك يحبس العين عن أي تصرف تمليكي ويتبرع بريعها لجهة خيرية تبرعاً لازماً مع بقاء العين على ملك الواقف مدة معينة من الزمان.
وبالجملة فالوقوف عند الفقهاء، هو: منع التصرف في رقبة العين التي يمكن الانتفاع بها مع بقاء عينها، وجعل المنفعة لجهة من جهات الخير ابتداء أو انتهاء.
فإذا كان من أول الأمر على جهة بر لا تنقطع، كمسجد أو مدرسة أو سبيل ماء، سمي وقفا خيرياً، وإذا كان جهة تحتمل الانقطاع كالذرية، سمي وقفا ذرياً، أو أهلياً.
مشروعية الوقف:
الأدلة من القرآن:
لم يرد في القرآن نص خاص بالوقف، وإنما دلّت عليه الآيات الدالة على التصدق وفعل الخير والتعاون على البرّ والتقوى بعموم نصوصها الدالة على الإنفاق.
ففيه نصوص عامة تشمل جميع أنواع الخير والبر والإحسان، فيدخل فيها الوقف وغيره، من مثل:
قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون} [الحج: 77]، والتحبيس والوقف من أعظم أنواع الخير الذي أمرت به الآية؛ لأنه يطول نفعه ويكثر المستفيدون منه.
وقد روى أنه لما نزل قوله تعالى: {لن تنالوا البرّ حتى تنفقوا مما تحبون} [آل عمران: 192]، كان لأبي طلحة الأنصاري حديقة نفيسة اسمها (بيرحا) أو بيرحاء، وكانت ذات ماء وثمر، وربما اغتسل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: لقد علم الأنصار أني أكثرهم مالاً، وأن أحب أموالي إليّ بيرحاء فهي صدقة له، فضعها حيث شئت يا رسول الله.
فقال صلى الله عليه وسلم: بخٍ ذلك مال رابح، بخ ذلك مال رابح، أو قال رائح وقد سمعتُ ما قلتُ فاجعلها في أقاربك.
وأكثر ما يحب الإنسان من ماله، ما يكون أصلاً يبقى ويدوم كالدور والأراضي والأشجار، فالآية ترغب وتشجع المؤمنين على أن ينفقوا من أحب أموالهم إليهم.
ومنها قوله تعالى: {إنا نحن نُحْيِ الْمَوْتَى ونكتب ما قدموا وآثارهم}، فاللّه عز وجل يكتب أفعال العباد ويكتب الآثار التي تنجم عن أفعالهم، سواء في حياتهم أو بعد مماتهم، وسواء كانت خيراً أو شراً. ولاشك أن الأموال والأملاك المحبَّسة، تبقى آثارها الخيرة الطيبة بعد موت صاحبها، ويستمر ثوابها ما دام لها نفع لأحد من عباد اللّه، أو من عامة خلقه.
وقوله تعالى: {وما يفعلوا من خير فلن يكفروه والله عليم بالمتقين}؛ ويدخل في ذلك الوقف.
وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض} [البقرة: 267].
وقوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم} [البقرة: 254].
وقوله تعالى: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً} [الكهف: 110].
وقوله تعالى: {وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة، ولا تنسى نصيبك من الدنيا، وأحسن كما أحسن الله إليك} [القصص: 77].
الأدلة من السنة:
حديث: "إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له"، والصدقة الجارية محمولة على الوقف عند العلماء، فإن غيره من الصدقات ليست جارية، بل يملك المتصدق عليه أعيانها ومنافعها.
وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قدم المدينة وليس بها ماء يستعذب غير بئر رومه فقال: "من يشتري بئر رومه فيجعل منها دلوه مع دلاء المسلمين بخير له منها في الجنة، فاشتريتها من صلب مالي"([3])، وفيه جواز انتفاع الواقف بوقفه.
ومن السنة النبوية وعمل الصحابة:
1 عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنْ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ أَصَابَ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَسْتَأْمِرُهُ فِيهَا، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أَصَبْتُ أَرْضًا بِخَيْبَرَ، لَمْ أُصِبْ مَالًا قَطُّ أَنْفَسَ عِنْدِي مِنْهُ، فَمَا تَأْمُرُ بِهِ؟، قَالَ: "إِنْ شِئْتَ حَبَسْتَ أَصْلَهَا وَتَصَدَّقْتَ بِهَا"، قَالَ ـ أي ابن عمر ـ: فَتَصَدَّقَ بِهَا عُمَرُ أَنَّهُ لَا يُبَاعُ، وَلَا يُوهَبُ، وَلَا يُورَثُ، وَتَصَدَّقَ بِهَا فِي الْفُقَرَاءِ، وَفِي الْقُرْبَى، وَفِي الرِّقَابِ، وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَابْنِ السَّبِيلِ، وَالضَّيْفِ؛ لَا جُنَاحَ عَلَى مَنْ وَلِيَهَا أَنْ يَأْكُلَ مِنْهَا بِالْمَعْرُوفِ، وَيُطْعِمَ، غَيْرَ مُتَمَوِّلٍ([4]).
- عن عثمان، رضي اللّه عنه، أن النبي، صلى اللّه عليه وسلم، قدم المدينة وليس به ماء يستعذب غير بئر رومة، فقال: من يشتري بئر رومة فيجعل فيها دلوه مع دلاء المسلمين(2)، بخير له منها في الجنة؟، فاشتريتها من صلب مالي(3).
وقد روي أن هذه البئر كانت لرجل من بني غفار، وكان يبيع منها القربة بِمُدِّ، فقال له النبي، صلى اللّه عليه وسلم: تبيعنيها بعين في الجنة؟، فقال يارسول اللّه: ليس لي ولعيالي غيرها. فبلغ ذلك عثمان فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم. ثم أتى النبي، صلى الله عليه وسلم، فقال: أتجعل لي ماجعلت له؟، قال نعم. قال قد جعلتها للمسلمين(4).
ومنذ أن أرشد النبي، صلى اللّه عليه وسلم، صحابته إلى التحبيس وفضله، وهم يحرصون عليه ويجعلون أموالهم وممتلكاتهم فيه، حتى قال جابر: "لم يكن أحد من أصحاب النبي، صلى اللّه عليه وسلم، ذو مقدرة إلا وقف"([5]).
أما الإجماع:
قال القرطبي: [إن المسألة إجماع من الصحابة، وذلك أن أبا بكر، وعمر، وعثمان، وعلياً، وعائشة، وفاطمة، وعمرو بن العاص، وابن الزبير، وجابــراً، كلهم وقفوا الأوقاف، وأوقافهم بمكة والمدينة معروفة مشهورة].
وقال ابن هبيرة: [اتفقوا على جواز الوقف].
وقال الشافعي في القديم: [بلغني أن ثمانين صحابياً من الأنصار تصدقوا بصدقات محرمات].
والشافعي يسمي الأوقاف: الصدقات المحرمات.
وقال الترمذي: [والعمل على هذا عند أهل العلم من أصحاب النبي r وغيرهم لا نعلم بين المتقدمين منهم في ذلك اختلافاً في إجازة وقف الأرضين وغير ذلك].
وقال البغوي: [والعمل على هذا عند عامة أهل العلم من أصحاب النبي r ومن بعدهم من المتقدمين لم يختلفوا في إجازة وقف الأرضين وغيرها من المنقولات، وللمهاجرين والأنصار أوقاف بالمدينة وغيرها، لم ينقل عن أحد منهم أنه أنكره، ولا عن واقف أنه رجع عما فعله لحاجة وغيرها].
وقال ابن حزم: [وسائر الصحابة جملة صدقاتهم بالمدينة أشهر من الشمس لا يجهلها أحد].
ومنذ ذلك الحين أصبح الوقف يمثل ركناً من أركان المجتمع الإسلامي، في حياته الدينية والاجتماعية والعلمية والاقتصادية والسياسية، حيث صار دعامة كبرى لحركة العلم والجهاد في سبيل اللّه والدفاع وحماية الثغور، ومصدر عيش ومواساة للفئات المعوزة في المجتمع، ومصدر تمويل وتطوير لكثير من المرافق الاقتصادية والتنموية.
بعض مجالات الوقف
تاريخياً: بعض المجالات التي امتد إليها الوقف خلال القرون الماضية:
وإذا أردنا الإشارة إلى ما قدمه الوقف في مختلف ميادين الحضارة فيكفى أن نعلم أن الأوقاف قد مولت ورعت:
المساجد: التي مثلت بيوت الله في الأرض، ودواوين الشئون الإسلامية العامة وأوتاد الإسلام في أوطان المسلمين.
المدارس: التي جعلت الحضارة الإسلامية منارة العلم الفريدة على هذه الأرض لعدة قرون.
المكتبات: التي يسرت العلم للراغبين فيه دونما نفقات.
نسخ المخطوطات: في عصور ما قبل الطباعة إلى الحد الذي جعل إحدى مكتبات القاهرة – في العصر الفاطمي – تضم من تاريخ الطبري ذي المجلدات العديدة ألفا ومئتي نسخة إحداها بخط المؤلف.
رعاية المخطوطات: وحفظها وصيانتها ومازال الكثير منها محفوظاً حتى الآن في قسم المخطوطات بدار الكتب المصرية بل وفى جميع مكتبات العالم وخصوصاً الغرب.
إنشاء المكاتب القائمة على تحفيظ القرآن الكريم في المدن والقرى.
إقامة البيمارستانات: وهى مؤسسات متكاملة للعلاج والاستشفاء من كل الأمراض العضوية والنفسية.
تعبيد الطرق وتعديلها وصيانتها.
تجهيز الحلى الذهبية للعرائس الفقيرات اللاتي لا يستطعن شراءها عند الزواج.
رعاية النساء الغاضبات: اللواتي لا أسر لهن أو من تسكن أسرهن في بلاد بعيدة، فتؤسس لهن دور تقوم على رعايتها نساء على رأسهن مشرفة تهيئ الصلح للزوجات الغاضبات مع أزواجهن.
تطبيب الحيوانات والطيور، وإيواء ورعاية الحيوانات الأليفة.
ومؤسسات نقطة الحليب الخاصة بإمداد الأمهات المرضعات بالحليب والسكر إعانة لهن على تغذية أطفالهن.
الحدائق المخصصة ثمارها لعابر السبيل.
إقامة أسواق التجارة ووكالاتها بالمدن وعلى طرق التجارة.
إقامة مؤسسات الصناعة؛ مثل: السجاد، والعطور، والقناديل، والورق، والمنتجات الخشبية، والزجاجية، والملابس.
إقامة الأفران للخبز.
تهيئة موائد الإفطار والسحور للفقراء والغرباء في شهر رمضان المبارك.
الأواني والقدور المخصصة للمناسبات – أفراحاً وأحزاناً – لمن لا يستطيع امتلاكها، ومنها تعوض التي يكسرها الخدم حتى لا يؤذيهم مخدوميهم.
وتجهيز موتى الفقراء والغرباء.
وبناء مقابر الصدقة ليدفن فيها الفقراء والغرباء.
والإنفاق على الحرمين الشريفين وعلى المسجد الأقصى وعلى علمائها وطلاب العلم فيها وعموم الفقراء والمحتاجين من أهلها والوافدين إليها.
الحمامات العامة للنظافة.
الأسبلة التي يرتوي منها المارة والمحتاج للمياه.
العبارات لنقل الناس عبر الأنهار والترع.
تسليف المحتاجين بدون عوض.
إقامة الأرحية (جمع رحى) العامة لطحن الحبوب بالمجان.
إنشاء القناطر والجسور على الأنهار والترع.
إقامة الخانات التي ينزل فيها المسافرون.
إعانة العميان والمقعدين وذوى العاهات والأمراض المزمنة.
رعاية أبناء السبيل: حتى يعودوا إلى منازلهم وديارهم.
المعاونة على أداء فريضة الحج للذين لا يستطيعون إلى ذلك سبيلاً.
عمارة الرباطات (جمع رباط) في الثغور للمجاهدين في سبيل الله، وتزويدها بعدة القتال، ونفقات المقاتلين والرعاية لأسر الشهداء.
مؤسسات رعاية الأيتام.
رعاية المسجونين وأسرهم.
إلى غير ذلك الكثير مما يدل دلالة واحدة على أن المسلمين كانوا نسيجاً واحداً تتكافؤ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم.
بل كانوا يمثلون بنياناً متماسكاً يشد بعضه بعضاً لأنه بالتراحم والتعاضد والتأسي يصير الناس لحمة واحدة لا فرق بين غنيهم وفقيرهم يتألم من بالمغرب لمصيبة ألمت باخوانهم في المشرق.
وهذا هو التجسيد العملي لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مثل المؤمنين في توادِّهم وتراحمهم وتعاطفهم: مثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو: تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى"([6]).
وقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً"([7]).
وهذه الأحاديث وغيرها صريحة في تعظيم حقوق المسلمين بعضهم على بعض وحثهم على التراحم والملاطفة والتعاضد في غير إثم ولا مكروه.
وهذا ما فهمه المسلمون وطبقوه فكان سبباً في نهضتهم وعزتهم.
هذه كانت الصورة المشرقة لما كانت عليه الأوقاف في صنع الحضارة والتخفيف من حدة الفقر في العالم الإسلامي.
ولكن كيف آل الأمر بعد ذلك؟؟!!
أهداف الأوقاف ودورها التاريخي:
رعاية المساجد والإنفاق عليها.
التعليم والبحث العلمي في مختلف العلوم.
الرعاية الصحية والمستشفيات والأدوية.
الرعاية الاجتماعية للفقراء والمساكين واليتامى والأرامل ونحوهم.
رعاية الحيوان، وحماية البيئة.
في الدفاع والأمن.
الوقف على القضاة وعلى الثغور.
الأهداف الخاصة للوقف:
1 - تحقيق مبدأ التكافل بين الأمة المسلمة وإيجاد التوازن في المجتمع.
فإن الله سبحانه وتعالى جعل الناس مختلفين في الصفات، متباينين في الطاقة والقدرة.
والوقف عامل من عوامل تنظيم الحياة بمنهج حميد يرفع من مكانة الفقير ويقوي الضعيف، ويعين العاجز، ويحفظ حياة المعدم، من غير مضرة بالغني ولا ظلم يلحق بالقوي.
وإنما يحفظ لكل حقه بغاية الحكمة والعدل، فتحصل بذلك المودة وتسود الأخوة ويعم الاستقرار، وتتيسر سبل التعاون والتعايش بنفوس راضية مطمئنة.
2 - في الوقف ضمان لبقاء المال ودوام الانتفاع به والاستفادة منه مدة طويلة، فإن الموقوف محبوس أبداً على ما قصد له لا يجوز لأحد أن يتصرف به تصرفا يفقده صفة الديمومة والبقاء.
3 - في الوقف استمرار للنفع العائد من المال المحبس، فثوابه مستمر لموقفه حياً أو ميتاً وداخل في الصدقة الجارية التي أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها من العمل الذي لا ينقطع.
4 - للوقف هدف أعلى وأسمى من بقية الأهداف وهو امتثال أمر الله سبحانه وتعالى بالإنفاق والتصدق والبذل في وجوه البر.
كما أن فيه امتثالا لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصدقة وحثه عليها.
5 - في الوقف تحقيق لأهداف اجتماعية واسعة، وأغراض خيرية شاملة؛ مثل: دور العلم والوقف على طلبة العلوم الشرعية والعلوم المباحة التي تعود بالنفع على المسلمين والتي هي من متطلبات المجتمع المسلم، وما يتبع ذلك من أبحاث ودراسات تكون من وسائل تنمية المجتمع المسلم وإغنائه عما بيد عدوه.
فمن الوقف يمكن إيجاد مؤسسات وقفية تعمل بحرية كاملة بعيداً عن المؤثرات الخارجية تؤدي غرضا أو أغراضاً متعددة تخدم المجتمع، وتساهم في نشر الإسلام وتبلغ رسالته تدعم تلك المؤسسات الوقفية من قبل من يسر الله لهم أموالا تزيد عن حاجتهم.
كما أن في تلك المؤسسات تحقيقاً لغرض كثير من الأفراد الذين يرغبون في فعل الخير ولكن أعمالهم والتزاماتهم تمنعهم من ذلك أو ليس لديهم الخبرة الكافية للقيام بتلك الأعمال فإذا وجد من يخدمهم باستغلال ما ينفقونه على سبل الخير من المتخصصين في مجال الاستفادة به بما يحقق الغاية منه دفعهم هذا إلى كثرة الإنفاق لاطمئنانهم إلى أن عائد ما ينفقونه سوف يصرف في مصرفه السليم.
6 - في الوقف وسيلة لحصول الأجر والثواب من الله تعالى وتكثيرها. كما أن فيه وسيلة للتكفير عن الذنوب ومحوها، وفي الكل تحقيق للراحة والطمأنينة النفسية في الدنيا، والفوز بنتائج ذلك في الدار الآخرة.
7 - في الوقف حماية للمال ومحافظة عليه من عبث العابثين كإسراف ولد أو تصرف قريب، فيبقى المال وتستمر الاستفادة من ريعه، ويدوم جريان أجره له.
8 - في الوقف بر للموقوف عليه، وقد حث الشرع الكريم على البر ورغب فيه، ففي البر تدوم الصلة وتنقطع البغضاء ويتحاب الناس فتسمو الهمم وتأتلف القلوب وتتعاون على الأمور النافعة وتتجنب الكيد للآخرين وتتجه إلى العمل المنتج النافع.
كما أن ذلك من أسباب ترابط الأسرة الواحدة وتماسكها وهي اللبنة الأولى للمجتمع.
9 - في الوقف تطويل لمدة الانتفاع من المال ومد نفعه إلى أجيال متتابعة، فقد تتهيأ السبل لجيل من الأجيال لجمع ثروات طائلة ولكنها قد لا تتهيأ للأجيال التي تليه فعن طريق الوقف يمكن إفادة تلك الأجيال اللاحقة بما لا يضر الأجيال السابقة.
([1]) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجَّ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ لِزَوْجِهَا أَحِجَّنِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى جَمَلِكَ، فَقَالَ: "مَا عِنْدِي مَا أُحِجُّكِ عَلَيْهِ، قَالَتْ: أَحِجَّنِي عَلَى جَمَلِكَ فُلَانٍ، قَالَ: "ذَاكَ حَبِيسٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إِنَّ امْرَأَتِي تَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَرَحْمَةَ اللَّهِ، وَإِنَّهَا سَأَلَتْنِي الْحَجَّ مَعَكَ، قَالَتْ: أَحِجَّنِي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: مَا عِنْدِي مَا أُحِجُّكِ عَلَيْهِ، فَقَالَتْ: أَحِجَّنِي عَلَى جَمَلِكَ فُلَانٍ، فَقُلْتُ: "ذَاكَ حَبِيسٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"، فَقَالَ: "أَمَا إِنَّكَ لَوْ أَحْجَجْتَهَا عَلَيْهِ كَانَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ"، قَالَ: وَإِنَّهَا أَمَرَتْنِي أَنْ أَسْأَلَكَ مَا يَعْدِلُ حَجَّةً مَعَكَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَقْرِئْهَا السَّلَامَ وَرَحْمَةَ اللَّهِ وَبَرَكَاتِهِ"، وَأَخْبِرْهَا أَنَّهَا تَعْدِلُ حَجَّةً مَعِي يَعْنِي عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ". سنن أبي داود، 1699، 5/352، والسنن الكبرى للبيهقي، 6/164، والمستدرك للحاكم، 1734، 4/326، والمعجم الكبير للطبراني، 10/350، وصحيح ابن خزيمة، 2839، 11/112.
([2]) صحيح البخاري (2532)، ومسلم (3085).
([4]) صحيح البخاري (2532)، ومسلم (3085).
([5]) إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل، محمد ناصر الدين الألباني، المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة الثانية - 1405 – 1985، حديث 1581، 6/29.
عدد القراء : 1508