التجربة الإسلامية في المعاملات المصرفية
تعدُّ المصارف عصب الاقتصاد ومحركه الرئيسي، لأنها تحفظ الأموال، وتحركها، وتنميها، وتسهّل تداولها، وتخطط في استثمارها.
ولا ينكر الدور الإيجابي الذي يلعبه النشاط المصرفي في الخدمات والتمويل والاستثمار.
وقد أدرك العلماء والفقهاء والمفكرون في هذا العصر ضرورة الاستفادة من النشاط المصرفي ولكن بوسائل مشروعة.
وتُعَدُّ المصارف الإسلامية ثمرة من ثمار الصحوة الإسلامية التي عمت أرجاء الوطن الإسلامي، وخاصة أن البلاد الإسلامية جربت كل الحلول الغربية واتضح عدم ملاءمتها.
وتسعى المصارف الإسلامية لحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها المجتمع في جميع الدول العربية والإسلامية، وحتى العالمية.
التعريف بالمصارف الإسلامية
التعريف الاصطلاحي لكلمة " المصرف ":
تبعاً لظهور هذا المصطلح حديثاً، فلن يجد الباحث تعريفاً له عند الفقهاء السابقين، وإنَّما يُقْرَأ تعريف المصرف في كتب الاقتصاد الحديث، ومنها نَقَلَ فقهاءُ العصر تعريف المصرف، ودرسوه، وعدَّلوا عليه ليتوافق مع طبيعة المصرف القائم على أسس شرعية دينية إسلامية.
ومع أهمية المصرف في حياتنا اليومية – غالباً – إلا أنَّ بعض الباحثين يشير إلى عدم وجود تعريف منضبط للمصرف، وأنَّ كُلَّ ما ذُكِرَ إنَّما هو ذكر لبعض المعايير والأعمال التي يتميز بها المصرف، وليست التعاريف جامعة مانعة([1]).
ويُبَرَّر ذلك بأنَّ الأعمال المصرفية ليست مُحَدَّدَةً ثابتةً، بل هي متلونةٌ مع الحاجات والظروف، كالماء ليس له لون، ويحكي كل لون حسب الإناء الذي يوضع فيه.
ومهما يكن من أمر، فقد ذكر باحثون آخرون تعريفات للمصرف، منها:
[أي هيئة محلية يتعلق عملها بالمال، ويُخوَّل لها سلطة خصم وتداول السـندات الإذنية، والكمبيالات، وغيرهما من مستندات الديون الأخرى، ومن أعمال قبول الودائع المالية والأوراق التجارية، وإقراض النقود بالضمان العقاري أو الشخصي، وشراء وبيع السبائك الذهبية والفضية والعملة الأجنبية المعدنية، أو الكمبيالات]([2]).
وبإضافة كلمة ((المصرف)) إلى كلمة أخرى، تظهر تعريفات أخرى، فمثلاً:
المصارف التجارية، هي: [عبارة عن مؤسسات ائتمانية غير متخصصة تضطلع أساساً بتلقي ودائع الأفراد القابلة للسحب لدى الطلب، أو بعد أجل قصير، والتعامل بصفة أساسية في الائتمان القصير الأجل]([3]).
المصارف الإسلامية، هي: [المؤسسات المالية التي تقوم بعمليات الصرافة واستثمار الأموال بما يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية الغراء]([4]).
وبالجملة يمكن تعريفها بما يأتي: (( مكان يقوم به أشخاص هم هيئة اعتبارية يؤسسون عملاً تجارياً؛ في استثمار الأموال وصرافة العملات، وخدمياً؛ بأجرٍ في تسهيل المبادلات التجارية، وتقريب المتبايعين بضمانته وكفالته)).
غَايَةُ المَصَارِفِ وَأَهْدَافُهَا
إنَّ الغاية والهدف لا يظهران جلياً إلا من خلال العمل، فإذا عُرِفَ العمل سَهُلَ التعرف على هدف العملِ وغايته.
وأعمال المصارف وأوجه نشاطها شديدة التنوع والاختلاف، شديدة القابلية للتشكل والتطور، لدرجة القول بأنَّه [ليس من السهل وضع تعريف للبنك يجمع أوجه نشاطه التي يقوم بها]([5]).
ولجعل الأمر ميسوراً بالنظر إلى الواقع، يمكن تصنيف المصارف إلى:
- مصارف ربوية.
- مصارف غير ربوية؛ شرعية إسلامية.
وبالجملة، فإنَّ المصارف تقوم بعدة أعمال مهمة ومفيدة للاقتصاد القومي، بل حتى للاقتصاد العالمي، من حيث إنَّها تُيَسِّر الإنتاج والتبادل، وتُعَزِّز رؤوس الأموال، وتُسَهِّل التعامل، وإنَّ أعمال المصارف لا تتسم كلها بالطابع الربوي، فهناك أعمال خدمية تؤديها المصارف مقابل أجرة.
هذا، ويمكن تصنيف أعمال المصارف إلى:
أعمال استثمارية |
أعمال خدمية |
الأعمال الاستثمارية
المصرف الربوي |
المردود |
|
المصرف الإسلامي |
المردود |
قبول الودائع. |
يَدفع المصرف فائدة. |
|
قبول الودائع. |
تُوضع في الاستثمار. |
الإقراض. |
يَأخذ فائدة ثابتة على رأس المال. |
|
المشاركة في تمويل المشاريع. |
يَأخذ نصيبه من الأرباح. |
بالإضافة إلى ما ذُكِرَ، فإنَّ الأعمال الاستثمارية تتمثل في كل أسلوب يعتمد على تشغيل المال بحيث يعطي فائض ربح يزيد عن تكلفته.
الأعمال الخدمية
المصرف الربوي |
المردود |
|
المصرف الإسلامي |
المردود |
خدمة أمناء الاستثمار |
ربح |
|
خدمة أمناء الاستثمار |
أجر |
إدارة الممتلكات |
أجر |
|
إدارة الممتلكات |
أجر |
عمليات الصكوك |
فائدة |
|
عمليات الصكوك |
أجر |
الاعتمادات المستندية |
فائدة |
|
الاعتمادات المستندية |
أجر |
خطابات الضمان |
فائدة |
|
خطابات الضمان |
أجر |
تأجير الصناديق الحديدية |
أجر |
|
تأجير الصنـاديـق الحديدية |
أجر |
إلى غير ذلك من الخدمات التي يقوم بها المصرف نظير أجرة أو عمولة أو أتعاب محددة .
وتقسيم الأعمال إلى: استثمارية وخدمية، لا يخلو من التداخل إلا أنَّ الذي يميزه عن غيره من التصنيفات أنَّه يقلل إلى حد كبير من الاعتراضات الواردة على غيره من التصنيفات المقترحة.
هذا، وإنَّ المصرف الربوي يمارس عمله بوصفه شخصية اعتبارية رأســمالية([6])، يؤكد على الفائدة -أجرة رأس المال- وهو وسيط بين المودعين والمستثمرين.
وإنَّ المصرف اللاربوي يمارس عمله بوصفه عاملاً، يأخذ أَجْرَهُ مقابل عمله، وهي خدمة زبائنه، إذ هو وسيط بين مستثمرِين -أصحاب رؤوس أموال- ومستثمرِين -أصحاب خبرة وعمل-، ويمكنه أحياناً أنْ يباشر الاستثمار بنفسه، وفوق ذلك له شرف الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية والتقيد بحدود شرع الله.
فالفرق الجوهري بين المصارف الربوية واللاربوية هو في المنطلق الفلسفي، والأساس العقائدي، ولمزيد من الإيضاح أذكر الأغراض الأساسية للمصرف الإسلامي خاصة، وهي:
- أنْ تتوافق معاملاته المصرفية مع أحكام الشريعة، وأنْ يجد البديل الإسلامي للمعاملات من أجل رفع الحرج عن المسلمين، والله عزَّ وجلَّ يقول:} أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنزَلَ إِلَيْكُمْ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً{ [الأنعام: 6/114].
- الحرص على رعاية حقوق الله عزَّ وجلَّ؛ المالك الحقيقي للمال ورعاية مصالح العباد، وتأمين احتياجاتهم، وإشباع رغباتهم، وتقديم الخدمات لهم.
- السعي إلى تنمية القيم العقائدية وتثبيت المبادئ السلوكية الإسلامية، لدى العاملين والمتعاملين مع المصرف الإسلامي، وذلك لتطهير هذا النشاط الاقتصادي الحيوي من الفساد. قال الله تعالى: } أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنْ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ{ [التوبة: 9/109].
- العمل على تنمية الوعي الادخاري، وتشجيع الاستثمار وعدم الاكتناز، وذلك بإيجاد فرصٍ وصيغٍ للاستثمار تتناسب مع الأفراد والمؤسسات المختلفة، ودليل مشروعية استثمار الأموال قول الله U: } وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ { [البقرة: 2/275]، وقال I:} يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا { [النساء: 4/29].
- توفير رؤوس الأموال اللازمة لصحاب الأعمال من أفراد ومؤسسات لأغراض المشروعات الاقتصادية كل ذلك وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية.
- إيجاد التنسيق والتعاون والتكامل بين الوحدات الاقتصادية داخل المجتمع الإسلامي، عملاً بقول الله I:} وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا { [آل عمران: 3/103]، وقوله U: } وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ { [المائدة: 5/2].
- المساعدة في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية لشعوب الأمة الإسلامية، بكل السبل المشروعة، ودعم التعاون الإسلامي، وتحقيق التضامن الاقتصادي، والتكافل الاجتماعي.
معاملات المصارف الإسلامية
أولاً: موارد المصارف الإسلامية:
تعتمد المصارف الإسلامية في مواردها على أموال المساهمين أولاً، وأموال المودعين ثانياً، وأرباح الأعمال المصرفية التي تمارسها ثالثاً.
وتتمثل أموال المساهمين في حصص الشركاء التي تكوِّن في الفقه الإسلامي شركة العنان التي يكون فيها لكل شريك مال وعمل، ولكن لا يشترط التساوي في الحصص والتوزيع والسلطات، أو عن طريق شركة المضاربة التي تتألف من طرفين، أحدهما يقدم مالاً، والآخر يقدم عملاً، مع توزيع الربح بينهما حسب الاتفاق، وإن حصلت خسارة وقعت على رب المال، ويخسر العامل جهده ونشاطه، كما تتمثل أموال المساهمين بأسهم عادية بين الشركاء دون تمييز بين مساهم وآخر في الحقوق والواجبات.
- v أما أموال المودعين فتتم عن طريقين:
1- الودائع غير الاستثمارية، وتسمى في الفقه الإسلامي القرض الذي يقدمه صاحب المال على أن يسترده بشكل مضمون، دون عائد أو استفادة من ذلك.
2- الودائع الاستثمارية، وتسمى في الفقه الإسلامي المضاربة، أو القراض الذي يُقَدِّم فيه صاحب المال ودائعه، لتكون له حصة من الربح تحدد مسبقاً، مع احتمال تعرضه للخسارة.
والودائع الاستثمارية قد تكون حالَّة (تحت الطلب)، أو مؤجلة لآجال معلومة، قصيرة أو متوسطة أو طويلة، وقد تكون عامَّة في جميع أوجه الاستثمار، أو مخصصة في استثمار معين، وتكون حصة الأرباح مختلفة بحسب كل نوع، ومثل ذلك شركتا المزارعة والمساقاة المشروعتان بين المال والعمل، وتشبه المضاربة.
والفرق بين القرض الربوي والمضاربة أن القرض الربوي يُحَدَّد له فائدة ربوية تبعاً للمبلغ والزمن، أما المضاربة فالربح الفعلي يقسم بين صاحب المال والعامل بنسبة متفق عليها، والخسارة على رأس المال وحده، ويخسر العامل عمله.
ثانياً: أساليب التمويل:
إن أساليب التمويل في المصارف الإسلامية متعددة وكثيرة منها:
1- الشركة والمضاربة:
وتتمثل في شركة عقد، حيث يقدِّم كل شريك مالاً وعملاً، وتكون الأرباح والخسائر على الطرفين، وقد تتمثل في المضاربة، وهي أن يقدم أحد الأطراف مالاً بدون عمل (ويسمى رب المال) ويقدم الآخر عملاً بدون مال (ويسمى العامل) وتسمى الشركة "مضاربة" أو "قِراضاً".
وقد يجتمع النوعان السابقان معاً (شركة العقد، وشركة المضاربة) بأن يقدم البعض مالاً وعملاً، ويقدم البعض الآخر مالاً بلا عمل، أو عملاً بلا مال.
وتُوَزَّع الأرباح بحسب الاتفاق على المال والعمل، وتقع الخسائر المادية على أرباح العمل التي توزع عليها بنسبة حصة كل منهم، ويخسر العامل عمله.
وإن كانت العلاقة شركة عقد وشركة مضاربة معاً فتطبق الأرباح والخسائر حسب ما سبق، وفي هذه الحالة يزداد حجم الاستثمار.
ونظراً للصعوبات التي تعترض التمويل عن طريق الشركة، أو المضاربة، فقد عزفت المصارف الإسلامية عنها في علاقتها بالمستثمرين، ولجأت إلى أساليب المداينات مثل المرابحة، والبيع الإيجاري، والتمويل الإيجاري، وانخفضت نسبة التمويل بالمشاركة والمضاربة عن 10% من الاستثمار([7]).
2- البيع بالتقسيط:
وهو البيع الذي يُسَلَّم فيه المبيع فور العقد، ويُؤَجَّل الثمن إلى أقساط معلومة لآجال معلومة، وهو جائز عند جمهور الفقهاء([8]).
ويجوز زيادة الثمن لأجل التقسيط بشرط أن يتم الاتفاق عليها عند العقد، ولا تجوز الزيادة على الثمن عند تأخير التسديد، أو عجز المدين عن السداد، لأن القسط صار قرضاً وديناً، والزيادة عليه ربا محرم، لكن إن تأخر المدين الغني القادر عن السداد، وماطل في الدفع، فيجوز في الاجتهاد المعاصر تحميله العطل والضرر عقوبة له، دون أن يأخذ المصرف هذه الزيادة([9]).
3- الأوراق التجارية ([10]):
وهي: (صكوك ثابتة قابلة للتداول بطريق التظهير، تمثل حقاً نقدياً، وتستحق الدفع بمجرد الاطلاع عليها، أو بعد أجل قصير، ويجري العرف على قبولها كأداة للوفاء بدل النقود)([11]).
وأهم أنواع الأوراق التجارية:
- الكمبيالة([12])
[هي مُحَرَّرٌ مكتوب وفق أوضاع شكلية معينة في القانون، تتضمن أمراً غير مُعَلَّق على شرطٍ يحرره -يكتبه- الساحب لإذن المستفيد، أو لحامله، إلى المسحوب عليه، يكلِّفه بموجبه – أي بموجب الأمر المكتوب- بدفع مبلغ معيَّن من النقود في تاريخ معين، أو قابل للتعيين، أو بمجرد الإطلاع]([13]).
والمتأمل في الكمبيالة يُلاحِظُ أن أطراف التعامل بها ثلاثة، هم:
- الساحب: الذي يقابل المحيل في مصطلح الفقه الإسلامي في عقد الحوالة.
- المسحوب عليه: الذي يقابل المحال عليه في مصطلح الفقه الإسلامي في عقد الحوالة.
- المستفيد: الذي يقابل المحال في مصطلح الفقه الإسلامي في عقد الحوالة.
وتمتاز الأوراق التجارية -بشكل خاص- ببيانات إلزامية حدَّدَها القانون لجعل المكتوب يأخذ صفة الكمبيالة، فهي:
- تاريخ إنشاء الكمبيالة.
- تاريخ استحقاق الكمبيالة.
- مكان الوفاء.
- مبلغ الكمبيالة.
- وصول القيمة.
- شرط الإذن، أو شرط الحامل.
- توقيع الساحب.
- اسم المسحوب عليه.
- اسم المستفيد.
- عدد النسخ.
- نوع الصفقة، هل هي دَينٌ عاديٌ (قرض)، أم دَين تجاري.
- السند :
السند في اللغة([14]): ما قابلك من الجبل، وعلا عن السفح، وكل ما يُستند إليه ويُعتَمد عليه فهو سند، ومنه قيل لصَكِ الدَّين وغيِره سَنَدٌ.
والسند في الاصطلاح([15]) له استعمالان، أحدها([16]) يخص هذا البحث، وهو: الحجة المكتوبة التي تُوَثَّقُ بها الحقوق.
وهذه الحجة المكتوبة لتوثيق الديون تسمى في مصطلح الاقتصاد الحديث السند الإذني -إذا ذكر اسم المستفيد-، والسند لحامله -إذا لم يذكر اسم المستفيد-.
فالسند الإذني([17])، هو: [التزامٌ بالدفع ثابتٌ في مُحَرَّرٍ ذي شكل خاص، غيرِ معلَّق على شرط، يتعهد محرره بموجبه بدفع مبلغ معيَّن من النقود في ميعاد معين، أو قابل للتعيين، لمصلحة المستفيد، ولإذنه، أو لحامل السند]([18]).
وسميت الورقة المكتوبة على الشكل المُبَيَّن بالسند الإذني: لقابلية السند للتحويل بين المتعاملين، دون التوقف على رضا محرره.
ويُسْتَخْدَمُ في الديون بين التجار، ولكنه أخذ وصفاً خاصاً في التعامل المصرفي الربوي، أو لدى الشركات الكبرى التي تطرح سندات دَيْنها لاكتتاب العام، وتَقْسِم المبلغ التي تحتاج لاستقراضه إلى أجزاء متساوية، يَمثِّل كل منها سَنَدَاً.
ولقد ارتبطت الفائدة الثابتة -الربوية- بالسندات في عُرف الاقتصاد الحديث، لذا تجد تعريفاً للسند بأنه [صك قابل للتداول، يُعْطِي صاحبَه الحقَ في الفائدة المتفق عليها، بالإضافة إلى قيمته الاسمية عند انتهاء مدة القرض]([19]).
وللسند بيانات لا بُدَّ من وجودها في المحرر المكتوب، هي:
- تاريخ إنشاء السند.
- ميعاد استحقاق الأداء والدفع.
- مبلغ السند.
- شرط الإذن ( أو لحامله ).
- وصول القيمة.
- اسم المستفيد.
- توقيع المحرِّر.
والفرق بين الكمبيالة والسند:
أنَّ الكمبيالة يتوقف اعتبارها على قبول طرف ثالث، -هو المحال عليه- فهي ثلاثية الأطراف: الساحب، والمسحوب عليه، والمسحوب له.
بينما السند الإذني ما هو إلا ورقة ثنائية ذات طرفين: المحرِّر الذي يتعهد بالوفاء في تاريخ معين، وهو المدين، والمستفيد الذي يُعَدُّ الدائن.
-الشيك :
يشبه الشيكُ الكمبيالةَ من حيث الشكل، فهو: [محرر مكتوب وفق أوضاع شكلية استقر عليها العرف؛ يتضمن أمراً من الساحب إلى المسحوب عليه، ويكون غالباً أحد البنوك، بأن يدفع للمستفيد، أو لأمره، أو لحامل الصك مبلغاً معيناً من النقود بمجرد الإطلاع]([20]).
ومن التعريف تتضح أوجه الشبه والاختلاف بين الشيك والكمبيالة:
- فهما متشابهان في ثلاثية أطرافها، في حال كون المستفيد من الشيك شخصاً ثالثاً، فهم: الساحب: الشخص الذي يُصْدِر - يُحَرِّر - الشيك ويوقِّعه، والمسحوب عليه: الذي صدر الأمر إليه بالدفع، ويكون مصرفاً في الغالب، والمستفيد: الذي يُدفع له مبلغ الشيك، كما أن الشيك يشبه الكمبيالة في وجود علاقتين ومعاملتين
المعاملة الأولى: بين الساحب والمستفيد، وهي وصول قيمة الكمبيالة أو الشيك.
المعاملة الثانية: بين الساحب والمسحوب عليه، وتقوم على وجود رصيد للساحب لدى المسحوب عليه تسمى بوصول القيمة، وهي سبب التزام الساحب قِبَلَ المستفيد، ولكن العرف قد جرى على عدم ذكر وصول القيمة في الشيك.
- ويختلف الشيك عن الكمبيالة في أن المسحوب عليه في الشيك يكون مصرفاً -في العادة-؛ يحتفظ فيه الساحب –يودِع- رصيداً تُدفع منه مبالغ الشيكات.
كذلك فإنَّ الشيك أمرٌ بالدفع في الحال، كما عبّر القانون التجاري عنه بقوله: [أوراق الحوالات الواجبة الدفع بمجرد الإطلاع عليها]([21])، بخلاف الكمبيالة والسند، إذ ليس من الضروري دفع الكمبيالة أو السند عند الطلب، أو عند الإطلاع، ولكن تُدْفَع في تاريخ لاحق، ربما يكون شهراً أو ثلاثة أشهر، وغالباً لا تزيد المدة عن ستة أشهر.
مع أنه في بعض الأحيان تكون الكمبيالة واجبة الدفع عند الإطلاع، إذا كانت مكتوبة بصيغة أمر الدفع عند الطلب، وهذا نادر الحدوث.
كما امتازت الأوراق التجارية السابقة -الكمبيالة والسند- ببيانات إلزامية ، كذلك حال الشيك فالبيانات الإلزامية الواجبة توافرها في الشيك:
- أمر بالدفع عند الإطلاع.
- تاريخ السحب.
- مكان السحب.
- مبلغ الشيك.
- اسم المسحوب عليه.
- اسم المستفيد.
- توقيع الساحب.
إذاً: أهم أنواع الأوراق التجارية: الكمبيالة، والسند الإذني، والشيك، ويتم التعامل في المصارف بالأوراق التجارية بأساليب عدة:
- بعضها جائز شرعاً كتحصيل الأوراق التجارية التي تعتبر وكالة بأجر.
- ومنها رهن الأوراق التجارية، وهي جائزة عند المالكية والشافعية في وجه لأنها رهن الدين، ومنعها الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة لعدم جواز رهن الدين عندهم، لأنه غير مقدور على تسليمه.
- ومنها خصم الأوراق التجارية، وهي السفاتج([22]) أو الكمبيالة، التي يسحبها الباعة على المشتري بالتقسيط والسندات الإذنية (لأمر)، فيقوم المصرف بإعطاء قيمة الورقة الحالية للمستفيد (وهي أدنى) ويحصل على القيمة الاسمية (وهي الأعلى) في تاريخ الاستحقاق، ليحصل على الفارق، وهذا لا يجوز، لأنه ربا النسيئة المحرم، وهو قرض ربوي([23]).
وخصم الأوراق التجارية قرض ربوي كما قرر مجمع الفقه الإسلامي بجدة في مؤتمره السابع 1412هـ/1992م فقد جاء في قراره ما يلي:
(1- الأوراق التجارية "الشيكات، السندات لأمر، سندات السحب"، من أنواع التوثيق المشروع للدين بالكتابة. 2- إن حسم "خصم" الأوراق التجارية غير جائز شرعاً، لأنه مسؤول عن دين النسيئة المحرم).
هذا إذا كان بين الدائن والمدين طرف ثالث، هو المصرف هنا، أما إذا كان أمر خصم الأوراق التجارية بين الدائن والمدين، فجائز، عملاً بحيث رسول الله e : ((ضَعُوا وَتَعَجَّلُوا))([24]).
4- المرابحة للآمر بالشراء ([25]):
وهي أن يطلب شخص من المصرف الإسلامي أن يشتري له سلعة موصوفة، مع الوعد من المصرف بشراء السلعة، والوعد من الآمر بالشراء إذا اشتراها المصرف.
وهنا يدفع المصرف الثمن نقداً، ثم يبيعها بعقد جديد، وثمن جديد مقسط، وأعلى، للآمر، مع إثبات الخيار لكل من الطرفين، أي أن الوعد غير ملزم.
وغالباً ما يتم تسليم البضاعة في مخازن البائع الأصلي، وقد يتم أحياناً في مخازن المصرف.
ولقد أقر مجمع الفقه الإسلامي بجدة هذه الصيغ من التمويل عام 1409هـ، وأقرها المؤتمر الثاني للمصرف الإسلامي بالكويت 1403هـ/1983م، ويتم العمل بها في المصارف الإسلامية.
ونظراً لأهمية هذا الأسلوب من التمويل، ونجاحه عملياً، وقلة صعوباته ومشاكله، فقد توسعت المصارف الإسلامية في استخدامه، وبلغت نسبة التمويل بالمرابحة حوالي 93% بالنسبة إلى مجموع التوظيفات([26]).
5- الوكالة بالشراء بأجر([27]):
وهو أن يطلب شخص من المصرف الإسلامي شراء سلعة معينة، يحدد له جميع أوصافها، كما يحدد ثمنها، ثم يدفع له ثمنها، مضافاً عليه أجراً معيناً مقابل قيام المصرف بهذا العمل.
6- البيع الإيجاري، أو الإيجار المنتهي بالتمليك([28]):
وهو إيجار في أوله (تمليك المنفعة)، ينتهي بالبيع (تمليك العين)، وذلك بأن يقوم المصرف بإيجار شيء استعمالي (وهو ما ينتفع به مع بقاء عينه، وتسمى أيضاً السلع المعمِّرة، أو الأصول الثابتة)، إلى العميل- الشخص الذي يتعامل مع المصرف - بأقساط معينة، ومحددة الآجال، فإذا أدى المستأجر - النشيط - الأجرة، انتقلت السلعة إلى ملك المستأجر في بيع بالْمَجَّان، أو بثمن رمزي.
ويمتاز هذا الأسلوب عن بيع التقسيط أن المصرف يضمن أمواله، وتبقى ملكية العين المستأجرة باسمه حتى نهاية سداد الأقساط، فإن تخلف المشتري عن السداد، طبقت عليه أحكام عقد الإجارة بفسخ العقد لعدم دفع الأجرة.
وتطور هذا الأسلوب إلى التمويل الإيجاري المشابه له، مع الفارق أن السلعة المراد تأجيرها لا تكون موجودة لدى المؤجر (المصرف)، بل يشتريها، ثم يؤجرها ثم يبيعها، وهذا ينطوي على وعد بالشراء، وآخر بالتأجير، وثالث بالبيع، ومادام الوعد غير ملزم فلا مانع شرعاً من هذا العمل.
أما إن كان الوعد ملزماً فيدخل في معاملات محرمة شرعاً، وهي: بيع ما لا يملك، والبيع قبل القبض، بل قبل الشراء.
ولقد عرض البنك الإسلامي للتنمية بجدة هذا الموضوع على مجمع الفقه الإسلامي بجدة 1407هـ/1986م، وأقر المجمع هذا العقد مع بيان القيود والشروط اللازمة.
7- المشاركة المتناقصة، وتسمى المشاركة المنتهية بالتمليك([29]):
وهي أن يتفق المصرف الإسلامي مع أحد العملاء على الاشتراك في ملكية عقار، مع الاتفاق بينهما على أن يسدد العميل إلى المصرف عدداً محدداً من الأقساط الدورية، ويتنازل المصرف مقابلها عن حصته من ملكيته للعميل الذي يصبح في النهاية مالكاً للعقار كله.
وهذا يشبه البيع الإيجاري، لأن القسط في ظاهره أجرة وفي حقيقته جزء من ثمن المبيع، ولكن المصارف الإسلامية تلجأ للمشاركة المتناقصة لأنها تستطيع أيضاً الاحتفاظ بملكية حصتها في العقار حتى تمام الانتهاء من سداد الأقساط.
ولو تمت المشاركة المتناقصة بين شخصين اشتركا في ملكية عقار لصح ذلك شرعاً، فكذلك المصارف الإسلامية مع العملاء.
8- التمويل العقاري:
وذلك لحل مشكلة السكن التي يئن منها الناس في معظم البلاد والمدن، ويتم ذلك في صورتين:
الأولى: عقد الاستصناع: وهو أن توفر المصارف الإسلامية للناس المساكن بعقد الاستصناع، بأن تبيع المسكن قبل بنائه (على الخريطة) بصفات محددة، تمنع الجهالة المفضية للنـزاع، وبأقساط تُدفَع حسب تقدم البناء والحاجة إلى المال.
والفارق بين السَلَم والاستصناع هو في الثمن والأَجَل.
فالعقد إذا عُجِّل فيه الثمن وحدد الأجل فهو سَلَم بالاتفاق.
وإذا عُجِّل الثمن ولم يُحَدَّد الأجل فهو استصناع عند فقهاء الحنفية، ولا يعتبر عقداً عند الجمهور.
وإذا لم يعجّل الثمن، وكان الأجل محددا، فهو سَلَم عند أبي حنيفة([30])، واستصناع عند صاحبي أبي حنيفة([31])، وهو عقد باطل عند الجمهور.
وإذا لم يعجل الثمن ولم يحدد الأجل فهو استصناع عند الحنفية.
الصورة الثانية: أن تبني المصارف الإسلامية المساكن بمواردها الخاصة، ثم تبيعها بالأقساط للأفراد، ولا مانع شرعاً أن يزيد الثمن المؤجَّل عن المعجل، كبيع التقسيط عامة.
ثالثاً: أساليب الاستثمار:
تقوم المصارف الإسلامية باستثمار الأموال بأساليب عدة، أهمها:
1- شراء وبيع الذهب والفضة:
فإذا كان البيع في جنس واحد، كالذهب بالذهب، والفضة بالفضة، فيشترط له شرطان:
- أن تتم المبادلة وزناً بوزن، فلا يجوز التفاضل.
- وأن يكون التسليم يداً بيد، فلا يجوز النَّساء، والتأخير.
لما روى عن عمر بن الخطاب([32]) t عن رسول الله e قال: "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ"([33]).
وما رواه أبو سعيد الخدري([34]) t أن رسول الله e قال: "لَا تَبِيعُوا الذَّهَبَ بِالذَّهَبِ، وَلَا الْوَرِقَ بِالْوَرِقِ (الفضة) إِلَّا وَزْنًا بِوَزْنٍ، مِثْلًا بِمِثْلٍ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ"([35]).
وإن كان الشراء والبيع بين جنسين، فيجوز التفاضل والزيادة، ويشترط التقابض في المجلس، يداً بيد، لما ثبت في أحاديث كثيرة في ذلك، منها ما روى عن عمر بن الخطاب t قال: قال رسول الله e: "الْوَرِقُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ" أي يداً بيد([36]).
ويشترط التقابض والتسليم سواء كان الذهب أو الفضة نقداً أو حلياً، أو تبراً، أو سبائك، ويلحق بها اليوم النقود الورقية على اختلاف أسمائها، وقال ابن تيمية([37]) وابن القيم([38]): إن الذهب والفضة إذا اتخذت حلياً مباحاً فإنها تصير سلعة، ويجوز فيهما التفاضل والنَّساء، ولم تبق أثماناً أي نقوداً.
قال ابن القيم: (فالأثمان لا تقصد لذاتها)([39])، ثم يقول: (وأما إن كانت الصياغة مباحة كخاتم الفضة وحلي النساء... فلم يبق إلا جواز بيعه كما تباع السلع...، يوضحه أن الحلي المباحة صارت بالصنعة المباحة من جنس الثياب والسلع، لا من جنس الأثمان)([40]).
2- شراء وبيع السلع:
وتضم السلع: كل ماعدا النقود والذهب والفضة، ويجوز البيع والشراء في هذه الحالة - حالة بيع السلع - مع التفاضل والزيادة، والحلول والأجل، كالسلم والاستصناع والتقسيط، لكن بشرط أنه لا يجوز بيع شيء قبل قبضه، وبالأولى قبل شرائه، لنهي الرسول e عن بيع ما لم يقبض، لأنه يؤول إلى نقل السلعة إلى ضمان المشتري قبل أن تدخل في ضمان البائع، فيكون للبائع ربح ما لم يضمن.
3- شراء الأوراق المالية([41]):
وهي الأسهم والسندات غير التجارية، أما التجارية فتدخل في الأوراق التجارية لا المالية.
وأما شراء السندات التي يتم إصدارها وتداولها بفائدة فلا يجوز إصدارها شرعاً ولا تداولها.
أما الأسهم فيجوز الاكتتاب فيها إذا كانت في الأعمال المشروعة في نظر الإسلام، لأنه كسب حلال طيب، ولكن بقيود وشروط وضوابط، حسب حالة أموال الشركة باعتبارها نقوداً، أو ديوناً، أو عُروضاً ومنافع، أو مختلطة من نوعين فأكثر.
وهناك بدائل شرعية أيضاً للسندات، منها القرض الحسن من الأفراد، وتعجيل الزكاة، والحض على بذل التبرعات والإنفاق في سبيل الله، وفرض ضرائب استثنائية لسد العجز في الميزانية، وقال بعض العلماء بإيجاد سندات تقوم على أساس السَلَم والاستصناع، كما هو الحال في سندات المقارضة كبديل للسندات وشهادات الاستثمار في البنك الإسلامي الأردني([42]).
أهمية الاستثمار في المصارف الإسلامية:
إن الصيغ الاستثمارية الإسلامية كثيرة في المصارف الإسلامية.
وقد يكون الاستثمار مباشراً كإنشاء الشركات والمشاريع وتملكها بالكامل، أو تملك غالبية أسهمها، ويقوم المصرف غالباً بإدارتها، وتوجيه نشاطها.
كما تشارك المصارف الإسلامية في رؤوس أموال بعض الشركات والمؤسسات التي تمارس عمليها وفقاً للقواعد الإسلامية([43]).
كما تمارس المصارف الإسلامية الاستثمار غير المباشر بأسلوب الوساطة في الاستثمار أو أسلوب المشاركة في الأرباح عن طريق عقد القراض الإسلامي - المضاربة - وغيره([44]).
رابعاً: أساليب الخدمة المصرفية:
تقوم المصارف الإسلامية بجميع أعمال المصارف الخدمية في المصارف الربوية، ولكن بشروط وحالات تجنبها الربا، أو الوقوع في عقود محرمة شرعاً، فمن ذلك:
1- تحصيل الأوراق التجارية([45]):
مثل الكمبيالة أو السند لأمر الذي يقدمه أحد العملاء إلى المصرف لتحصيل قيمته له في تاريخ الاستحقاق، فيقوم المصرف بذلك، ويتقاضى من العميل أجراً على التحصيل، وتكون العملية من باب الإجارة المشروعة الجائزة، أو الوكالة بأجر.
2- بطاقة الائتمان([46]):
وهي بطاقة ممغنطة مسجل عليها اسم الشخص والرقم وتاريخ المنح والصلاحية، ويتم إدخالها في جهاز الحاسب الآلي - الكمبيوتر -، ليتأكد البائع من توفر رصيد للمشتري يسمح بعقد هذه الصفقة بالبطاقة.
فإن انطوت المعاملة بالبطاقة على قرض ربوي، أو الدفع على أقساط تتضمن فوائد عن الثمن، أو فوائد عن التأخير بالدفع، فلا يجوز التعامل بها لوجود الربا فيها.
وإن كانت المعاملة في بطاقة الائتمان لا تنطوي على قرض فهي جائزة، ضمن قيود وشروط نصّ عليها العلماء المعاصرون([47]).
3- خطاب الضمان([48]):
ويسمى في الإسلام الكفالة، وهي كالقرض ؛ من أعمال الإرفاق والإحسان الذي يدعو إليه الإسلام، ويحث على توفيره بين المسلمين في التعاون والتكامل والتضامن، كأن يقدم المُقْرِض ماله بدون فائدة أو أجر، أو أن يكفل غيره كذلك بدون أجر، وهذا جائز، ويدخل تحت باب الكفالة التي توسع بها جميع الفقهاء في كتبهم.
وخطابات الضمان أنواع، منها الابتدائية أو المؤقتة المقدمة للجهات الحكومية في العطاءات والمناقصات، ومنها خطابات الضمان النهائية لحسن تنفيذ العقود المبرمة، ومنها خطاب الضمان للتمويل.
ويجوز للكفيل الضامن - المصرف - أن يأخذ المصاريف أو أجور التنقل التي دفعها لأجل الضمان دون زيادة.
وخطابات الضمان من المعاملات المصرفية المعاصرة التي عرضت عدة مرات على مجمع الفقه الإسلامي بجدة، والمؤتمرات الفقهية، وندوات الاقتصاد الإسلامي، وصدر فيها عدة قرارات توضح الجوانب الجائزة، وتحذر من الوقوع في الربا، ومنعت أجر الضمان، وأجازت للمصارف استرداد المصاريف الإدارية.
وإن أصرَّ المصرف الإسلامي على اخذ أجرة فيتم في حال التمويل، وتحويل القرض إلى قِراض أو مشاركة في الربح، ويحصل المصرف على حصته من الربح الجائز والمشروع بالنص والإجماع.
كما يمكن أن تشمل خطابات الضمان الوكالة المقررة شرعاً، ويجوز أن تكون بأجر، وتكون العمولة مقابل الوكالة([49]).
4- الاعتمادات المستندية([50]):
وهي اعتمادات يقدمها المصرف الإسلامي لعملائه في صور عديدة لتقديم الوساطة مع أجر، كوكيل بأجر، أو تقوم بها الشركة في الصفقة، ويوزع الربح بينهما، أو يقوم المصرف بشراء البضاعة مع الوعد من العميل بشرائها عند استلامها في ميناء الشحن، أو الوصول، على أساس بيع المرابحة بشروطه المقررة شرعاً([51]).
5- الحوالة أو السُفتجة([52]):
وهي قرض يسدد في بلد آخر، وأجازها بعض العلماء القدامى، عندما يكون فيها مؤنة وتكلفة على المقترض([53]).
وتجوز الحوالة ولو حصلت للمقترض منفعة في توفير أجر التحويل والضمان من المخاطر.
6- الحساب الجاري:
وهو وديعة تحت الطلب، ومن حق المودع أن يأخذ ماله كلاً أو جزءاً متى شاء، والمصرف ملتزم بالسداد الفوري متى طلب المودع، وهذا يتفق مع عقد الوديعة في الفقه الإسلامي، أو مع عقد القرض، والمصرف لا يؤدي فائدة على هذا القرض، بينما تدفع البنوك الربوية فائدة على القرض، ومثل ذلك على صناديق التوفير، وهذا حرام، لأنه ربا محرم.
7- الصرف:
وهو مبادلة نقد بنقد كالذهب بالفضة، أو عملة بأخرى، وهو جائز بالنص والإجماع، لحديث رسول الله e قال: "الْوَرِقُ بِالذَّهَبِ رِبًا إِلَّا هَاءَ وَهَاءَ"([54]).
وعن حَبِيبُ بْنُ أَبِي ثَابِتٍ([55]) قَالَ سَمِعْتُ أَبَا الْمِنْهَالِ([56]) قَالَ سَأَلْتُ الْبَرَاءَ بْنَ عَازِبٍ([57]) وَزَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ([58]) رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ عَنْ الصَّرْفِ فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَقُولُ: هَذَا خَيْرٌ مِنِّي، فَكِلَاهُمَا يَقُولُ:" نَهَى رَسُولُ اللَّهِ r عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالْوَرِقِ دَيْنًا"([59])، أي مُؤَجَّلاً بدون قبض عند العقد.
ويجوز التفاضل بين البدلين، ولا يجوز النَّساء (التأخير أو التأجيل) بل يجب تعجيل التقابض في مجلس الصرف للأحاديث الصحيحة، ويعتبر القيد المحاسبي في دفاتر المصرف في حكم القبض الفعلي، أي يعتبر قبضاً حكمياً، وهو ما أكده المؤتمر الثاني للمصارف الإسلامية المنعقد في الكويت عام 1403هـ/1983م.
وتمارس المصارف الإسلامية الصرف في التجارة بالنقد الأجنبي، والذهب والفضة، وخاصة إذا تمت نقداً، ويجوز أن يكون سعر الصرف متفاوتاً بين سعر الشراء وسعر البيع، ويجوز المواعدة على الصرف، سواء كان سعر الصرف بالسعر العاجل أو الآجل، بشرط أن تكون المواعدة غير ملزمة.
أما إذا كان العلميات الصرفية تتم على الهامش، بحيث يدفع الشخص جزءاً من المبلغ، ويبقى الجزء الآخر مؤجلاً فهو غير جائز، ويقرب من ذلك إذا تمت العملية بطريق الشراء الموازي، وذلك بتأجيل البدلين بسعر صرف معجَّل، ثم يتم تقابض البلدين في وقت واحد، ولكنه في وقت مؤجل، وإن كانت بعض المصارف الإسلامية تقوم به.
8- الإقراض:
يعدُّ الإقراض من أهم الخدمات والنشاطات الرئيسة في المصارف التقليدية، لأن المصرف في الأصل تاجر قروض ليحصل على فرق الفوائد التي يتقاضاها عن الفوائد التي يؤديها.
أما المصرف الإسلامي فإن نشاط الإقراض فيه ثانوي، ويتمثل في ثلاث حالات:
الأولى: إقراض عملاء المصرف قرضاً قصير الأجل غالباً لمواجهة حالات الحاجة للسيولة المؤقتة أو الموسمية أو الطارئة.
الثانية: الإقراض العرضي لتأدية بعض الخدمات المصرفية، كخدمات الضمان، والاعتماد المستندي، وخصم الأوراق التجارية أو قبولها في الحالات الجائزة شرعاً.
الثالثة: بعض القروض الاستهلاكية الضرورية.
والقرض في المصرف الإسلامي مجاني بدون فائدة، ولكن يتقاضى المصرف الإسلامي أجراً مقطوعاً رمزياً، ولا يأخذ شكل نسبة مئوية من حجم القرض أو زمنه، ولكن ذلك يشكل عبئاً على المصرف الإسلامي، لأنه يستخدم الأموال بدون عائد مناسب، أو يعرض البنك لمخاطر عدم سداد بعض القروض.
لذلك كان نشاط الإقراض في المصرف الإسلامي ثانوياً ومحدوداً، ولكن يعوِّض ذلك ما يقدمه المصرف الإسلامي من أداء القرض الحسن، وصندوق الزكاة.
9- خدمات مصرفية أخرى:
تعمل المصارف على تأجير الصناديق الحديدية لوضع الأمانات والودائع وهي جائزة شرعاً.
وتقوم المصارف عادة بتسلم الأوراق التجارية كالأسهم والسندات الجائزة شرعاً لحفظها، ويقوم التجار بإيداعها لغايات كثيرة.
وتقوم خدمات نافعة كالقيام بدور الوكالة لقاء أجر، والقيام بأعمال الوساطة لقاء عملة، والانتفاع من ممتلكاتها بالإيجار.
وتقوم المصارف بتقديم المشورة الفنية، والخبرة الإسلامية بمقابل أحياناً، وهو جائز شرعاً، وبدون مقابل أعمال الزكاة، كالباحثات في بنك دبي الإسلامي عن مطارح الزكاة وكيفية إخراجها، وهذا عمل مأجور في الآخرة، وله الأثر الطيب في الدنيا.
كما تقوم المصارف الإسلامية بتلقي الاكتتابات بأسهم الشركات، ودفع قسائم أرباحها، باعتبار ذلك إجارة جائزة.
وتقوم المصارف الإسلامية بإدارة الأعمال نيابة عن العملاء، والبيع لحسابهم، وغير ذلك من الأعمال الجائزة.
وتقوم المصارف الإسلامية بأعمال تحويل النقود الداخلي والخارجي عن طريق الحوالة والصرف.
خامساً: بعض إيرادات المصارف الإسلامية:
تحصل المصا
عدد القراء : 2572