التعامل مع غلاء الأسعار
تحديد أرباح التجار([1])
القرار: بعد الاطلاع على البحوث المقدمة من الأعضاء والخبراء في موضوع (تحديد أرباح التجار) واستماعه للمناقشات التي دارت حوله تقرر:
أولاً: الأصل الذي تقرره النصوص والقواعد الشرعية تركُ الناس أحراراً في بيعهم وشرائهم وتصرفهم في ممتلكاتهم وأموالهم في إطار أحكام الشريعة الإسلامية الغراء وضوابطها عملاً بمطلق قول الله تعالى: }يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ{[النساء:29].
ثانياً: ليس هناك تحديد لنسبة معينة للربح يتقيد بها التجار في معاملاتهم، بل ذلك متروك لظروف التجارة عامة، وظروف التاجر والسلع، مع مراعاة ما تقضي به الآداب الشرعية من: الرفق، والقناعة، والسماحة، والتيسير.
ثالثاً: تضافرت نصوص الشريعة الإسلامية على وجوب سلامة التعامل من أسباب الحرام وملابساته؛ كالغش، والخديعة، والتدليس، والاستغفال، وتزييف حقيقة الربح، والاحتكار، الذي يعود بالضرر على العامة والخاصة.
رابعاً: لا يتدخل ولي الأمر بالتسعير إلا حيث يجد خللاً واضحاً في السوق والأسعار ناشئاً من عوامل مصطنعة؛ فإن لولي الأمر حينئذ التدخل بالوسائل العادلة الممكنة التي تقضي على تلك العوامل وأسباب الخلل والغلاء والغبن الفاحش.
أحل الله البيع، والطيب من الرزق، وحرم أكل الخبث والباطل من المال، أحل الكسب والعمل، وحرم التقاعس والكسل.
الإسلام دين الجهد والعمل، ودين التراحم والتعاطف، دين المودة والمحبة والوئام، دين سلامة النفوس من الأحقاد، وصفاء من الحسد، دين الحق والعدل.
لذلك لا يجوز كسباً بغير عمل، ويحرم استغلال الحاجات، ويحظر كل مايؤدي إلى العداوة والبغضاء والمنازعات ويستأصل الحقد والحسد والجشع والطمع من النفوس، ويوجب أخذ المال من طريق مشروع حلال لاظلم فيه ولاتعدي. أما الربح عن طريق الحظ فهو حرام.
روى البخاري عن المقدام بن معد يكرب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ماأكل أحدٌ طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده، وأن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده}.
لا تغتر بما تراه من كثرة المال في أيدي الناس، وخاصة المال الحرام، فإنه كالأفعى، شكله حسن، وملمسه ناعم، ولكن حقيقته وسمه قاتل.
إن المؤمن يبيع دنياه من أجل دينه، لاكما يفعل الناس في زماننا يبيعون دينهم من أجل الدنيا، يشترون النار بأموالهم (إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون).
العمل بكل السبل على تأكيد الالتزام الخلقي في ممارسة العمل التجاري.
وهذا لا يكون إلا بالتمسك بالقيم الدينية التي تحث على الصدق والأمانة والبعد عن الخداع والكذب والتدليس.
أولاً: تؤكد النصوص الدينية علة التزام الصدق، والبعد عن الكذب كأحد الخصائص الإيمانية فيقول ربنا عز وجل: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ”، (119سورة التوبة).
وفي مجال التجارة يبشر النبي الكريم من يلتزم الصدق والأمانة في قوله صلى الله عليه وسلم “التاجر الأمين الصدوق مع النبيين والصديقين والشهداء”.
وحول الحد من إغراءات الكسب السريع بالممارسات غير الأخلاقية في التسويق يوضح الرسول صلى الله عليه وسلم الصورة بقوله: “إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا إلا من اتقى الله وبر وصدق”.
ثانيا: الصدق والشفافية يحققان الكسب الحلال، والكذب والخداع التسويقي وإن أديا إلى كسب مادي فإنه يكون غير حلال ويمحق (يزيل) الله بقدرته بركته، أي نفعه، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم لا يحل لامرئ مسلم باع من أخيه بيعا وفيه عيب إلا بينه”.
ثالثا: النهي عن ترويج السلعة بالحلف كذباً حيث عدَّ الرسول صلى الله عليه وسلم المنفق المروج سلعته بالحلف كذباً ضمن ثلاثة لا يكلمهم اللَّه يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم.
ويمكن أن يقاس على الحلف كذباً كل أسلوب يتبعه البائع ويحتوي على تأكيدات غير صادقة للتغرير والتضليل بالمشتري مثلما يحدث الآن بتضمين الإعلان شهادات غير حقيقية من ذوي الخبرة والمكانة في المجتمع أو من بعض المستهلكين بالاتفاق مع البائع بتوافر خصائص معينة في السلعة وهي ليست بها، وهو ما يحدث أيضاً باستئجار بعض الفنانين ولاعبي كرة القدم ليعلنوا للناس عن مزايا للسلعة وأنهم تحققوا منها وهي مجرد شهادة زور بأجر.
رابعا: مما نهى الرسول صلى الله عليه وسلم “النجش” فقال في الحديث الشريف “لا تناجشوا ولا تباغضوا وكونوا عباد الله إخوانا” والنجش يحدث بالتواطؤ مع البائع لخلق حالة صورية من الطلب على السلعة بالحيلة والخداع، وهو ما يمكن ملاحظته في العديد من الأساليب التسويقية مثل استئجار أناس للتجول في المحلات بل وحمل سلع معهم منها كأنهم اشتروها وكذا استئجار بعض الفنانين ونجوم المجتمع المعاصرين وجعلهم يتحدثون عن أنهم يستعملون سلع المنشأة، وما يتم أيضاً بالنشر في الإعلانات المرئية عن تزاحم العملاء على محلات التاجر للشراء رغم أن ذلك كله تمثيل.
خامسا: إن التركيز في الإعلانات على استثارة الغرائز باستخدام فتيات الإعلانات في صور مخلة وبحركات مثيرة يخالف قيم الإسلام وأحكامه.
سادسا: إن التوسع في الإعلانات من حيث المساحة أو التكرار المستمر خاصة في الإعلان التذكيري يكلف مبالغ كبيرة تضاف إلى ثمن السلعة ويدفعها المشتري الذي لا يستفيد بالجزء من الثمن الذي دفعه مقابل الإعلان وفي ذلك شبهة أكل أموال الناس بالباطل وهو محرم شرعاً.
سابعاً: إن أسلوب إعلانات اليوم يحاول أن يخلق طلباً على السلع من مشترين الكثير منهم ليس في حاجة إليها بما يعمل على تغيير أنماط الشراء والاستهلاك نحو ما يسمى بالاستهلاك الكبير، وفي ذلك دفع إلى التوسع في الإنفاق الذي قد يصل إلى حد الإسراف والتبذير المحرمين شرعا، وإذا كان الشراء بالتقسيط فإنه يوقع الناس في دائرة الديون الخبيثة.
وهذه الممارسات التسويقية السائدة اليوم ممارسات غير أخلاقية وتخالف أحكام الإسلام وهديه عاقبتها الخسران لأنه مهما كسب المشروع من وراء ذلك فإنه كسب حرام لن ينفع صاحبه وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم “لا يكسب العبد مالاً من حرام فينفق منه فيبارك له فيه ولا يتصدق منه بشيء فيقبل منه. ولا يترك خلف ظهره إلا كان زاده إلى النار”.
([1]) مجمع الفقه الإسلامي، جدة، الدورة الخامسة، القرار رقم (8).
عدد القراء : 1127