الجهاد بذل الجهد
الجهاد بذل الجهد في هداية الأمم لا في قتلهم علاء
الشهادة في سبيل الله هدف حياة المؤمن
الجهاد منبع الحياة وليس غاية للإهلاك
الحمد لله رب العالمين، أمر بالجهاد وجعله فريضة على جميع العباد، بحسب الاستطاعة والاستعداد، إذ قال تعالى: ]وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ[[الحج:78]، والصلاة والسلام على سيد المرسلين الذي جاهد في الله حق جهاده، وعلى آله وأصحابه الذين فهموا الجهاد قولاً وعملاً، فكانوا خير أمة أُخرجت للناس، وبعد:
فإنه لا يكاد الناس يسمعون كلمة الجهاد حتَّى تتبادر إلى أذهانهم صورُ القتال والحرب، واستعمال أساليب القتل والعنف، حتَّى إن الرأي العام العالمي اليوم بات لا يدري عن الجهاد في الإسلام إلا أشباهَ هذه المعاني، الَّتي تُدخل الرُّعب والفزع إلى القلوب، دون إدراك لمعناه الحقيقي الشامل.
إن الجهاد في الإسلام في حقيقته: هو بذل الجهد والطاقة في سبيل الله، بمعنى بذل الجُهد أو تحمل الجَهد البدني والنفسي والعملي من أجل الدفاع عن الدين، حتى تكون كلمة الله هي العليا، قال تعالى: }والَّذين جاهَدوا فينا لنَهديَنَّهُمْ سُبُلَنا وإنَّ الله لَمَع المحسنين{، وقال عزَّ وجلَّ: }فلا تُطِعِ الكافرينَ وجاهِدْهُم به جهاداً كبيراً{، وقال عزّ وجلَّ: }يأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم{.
الجهاد جزء من طبيعة الإنسان؛ مؤمناً كان أم غير مؤمن.
فالجهاد حركة مستمرة من أول الخلق حتى نهايته، من التكليف إلى الوفاة.
الجهاد عمل لتحقيق القول، فكونك مسلماً يحتاج إلى جهاد تطبيق القول في سلوكك وحياتك.
والجهاد تجربة واختبار، ومحك على الاقتدار، واختيار للفوز والفلاح، }أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين{ [آل عمران: 142]، }أم حسبتم أن تتركوا ولمّا يعلم الله الذين جاهدوا منكم{[التوبة: 16].
والجهاد ابتلاء }ولنبلونّكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم{[محمد: 31].
ويبدأ الجهاد أول ما يبدأ بجهاد التقوى أي بالإيمان الصادق وإخلاص النية، وهو الطريق إلى الله، }اتقوا الله وابتغوا إليه الوسيلة وجاهدوا في سبيله{[المائدة: 35].
ومن الجهاد: مجاهدة النفس والهوى.
ومن جهاد النفس: مقاومة الخمول والدعة والكسل، والانطلاق نحو الخير والسعي والعمل.
والصلاة جهاد في الزمان، وحفاظ على الوقت ودقته، وقيام وقعود بالبدن، وعدم الإهمال والكسل، وعدم الخنوع والملل.
والزكاة جهاد بالمال، وتزكية وتطهير للنفس بالبذل والعطاء، وبذل حق الآخر في مال النفس، وهو استثمار جماعي لقضاء حاجات الآخرين وإيجاد فرصة عمل للعاطلين.
والصيام جهاد للنفس، وتقوية للإرادة، وسيطرة على الرغبات والانفعالات والأهواء.
والحج جهاد سنوي للعمل الجماعي، والتذكير بمصالح الأمة، والاجتماع العلني في مساواة تامة أمام الحق.
وتتوسَّع دائرة الجهاد لتشمل الدعوة في سبيل الله، من توحيد القلوب، ورص الصفوف، وتشابك الأيدي وتعاونها، وتنوير العقول وتلاقحها، والرقي بالمجتمع نحو الخير والنجاح، وإنقاذ الإنسان من الفقر والجهل والمرض والتخلُّف.
وهكذا فإن شتَّى أنواع سعي المؤمن في سبيل الوصول إلى المستوى الأفضل يكون جهاداً إذا قصد به وجه الله.
فأنت أيها العامل مجاهد، وأنت أيها المهندس الذي تروم بناء وطنك مجاهد، وأنت أيها الطبيب الذي تسعى لإنقاذ مرضى المسلمين مجاهد، وأنت أيها المعلم يا مَن تبني الإنسان فأنت مجاهد.
وأنت أيها الأب وأيتها الأم يا مَن تسعون لتربية إيمانية شاملة، وتنشئة ربانية متكاملة أنتم مجاهدون.
فكل جهد يبذله الإنسان من أجل تحقيق مرضاة الله جهاد.
وكل من أتعب نفسه في ذات الله فقد جاهد في سبيله.
ولقد أتاح زمن التقدم العلمي الذي نعيشه وسائل متطورة للجهاد، وفرصتنا ذهبية اليوم أن نبلغ العالم كله دعوتنا، وأن نسمعهم كلمتنا، فعندنا:
القنوات الفضائية التي تملأ الآفاق.
والإذاعات الموجهة التي تنقل موجاتها الصوت إلى أقصى العالم.
وشبكة الإنترنت التي تدخل كل بيت دون إذن من أحد.
والرسائل والنشرات المكتوبة بلغات العالم.
وهي الأسلحة القوية والمؤثرة في جهاد العصر.
وكم نحن اليوم بحاجة إلى جيوش جرارة من الدعاة والمعلمين والإعلاميين المدربين الأكفاء الأقوياء الأمناء المقتدرين على مخاطبة العالم بلسان عصره، وبأساليب عصره، ليبينوا لهم، ويفهموهم ويؤثروا في عقولهم وعواطفهم.
الجهاد منبع الحياة.
مفهوم الجهاد
الجهاد لغة: هو من (الجَُهْد) بفتح الجيم وضمها وهي الطاقة، والجَهْد بالفتح المشقة يقال (جَهَدَ) الرجل في كذا، أي جَدَّ فيه، و(جاهَدَ) في سبيل الله (مجاهدة) و(جَهاداً) و(الاجتهاد) و(التجاهد) بذل الوسع والمجهود([1]).
وفي الاصطلاح: ( بذل الجهد بالضم وهو الطاقة وتحمل الجهد بالفتح وهو المشقة في مقابلة العدو والقتال والمقاتلة )([2])
وفي الاصطلاح الفقهي:
عرفه الحنفية([3]): (هو بذل أعز المحبوبات وهو النفس، وإدخال أعظم المشقات عليه تقرباً بذلك إلى الله تعالى، واشق منه قصر النفس على الطاعات على الدوام ومجانبة هواها).
وعند المالكية: إتعاب الأنفس في ذات الله وإعلاء كلمته التي جعلها الله طريقا إلى الجنة وسبيلا إليها([4]).
وعند الشافعية([5]): (بذل الطاقة وإتعاب النفس في قتال الكفار لنصرة الإسلام. ويطلق أيضاً على جهاد النفس والشيطان).
وعند الحنابلة([6]): (قتال الكفار خاصة بخلاف المسلمين من البغاة وقطاع الطريق وغيرهم).
وعند الإمامية([7]): (بذل النفس وما يتوقف عليه من المال في محاربة المشركين أو الباغين أو الباغين على وجه مخصوص أو: بذل النفس والمال والوسع في إعلاء كلمة الإسلام وإقامة شعائر الإيمان).
وأنسب مفهوم للجهاد من منظوره الفقهي هو: (بذل الوسع والطاقة في قتال الكفار ومدافعتهم بالنفس والمال واللسان)([8]).
ومن منظوره العملي هو: (علم يُعرفُ به أحوال الحرب وكيفية ترتيب العسكر واستعمال السلاح ونحو ذلك)([9]).
الجهاد هو إعلاء كلمة الله تعالى لأنها غاية المسلم والتي تيسر طريقه إلى الجنةِ ويكون ذلك بالمال والنفس واللسان والقلم وغيرهم. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (12)} [الصف: 10-12).
مشروعيته
ثبتت مشروعية الجهاد في الكتاب والسنة والإجماع والمعقول:
- الكتاب: قوله تعالى حينما أمر رسوله r بالجهاد من حين بعثه: {وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيرًا (51) فَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَجَاهِدْهُمْ بِهِ جِهَادًا كَبِيرًا (52) } [الفرقان: 51-52].
وقوله تعالى في جهاد المنافقين: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} [التوبة: 73].
- السنة النبوية:
عن أبي هريرة t أن رسول الله r سُئل: أي العمل أفضل؟ قال: "إيمان بالله ورسوله"، قيل: ثم ماذا؟ قال: "الجهاد في سبيل الله"، قيل: ثم ماذا؟ قال: "حج مبرور"([10]).
عن أبي سعيد الخدري t قال: جاء إعرابي إلى النبي r فقال: يا رسول الله أي الناس خير؟ قال: "رجل جاهد بنفسه وماله، ورجل في شعب من الشعاب يعبد ربه ويدعُ الناس من شره"([11]).
عن حميد قال: سمعت أنس بن مالك t عن النبي r قال: "ما من عبد يموت له عند الله خير يسره أن يرجع إلى الدنيا وأن له الدنيا وما فيها، إلا الشهيد لما يرى من فضل الشهادة، فانه يسره أن يرجع إلى الدنيا فيقتل مرة أخرى"([12]).
- الإجماع:
أجمعت الأمة على فرضية الجهاد منذ عهد الرسول الكريم r إلى يومنا هذا([13]).
- المعقول:
لن ينتهي الجهاد بعد وفاة الرسول الكريم r بل استمر ويستمر إلى يوم القيامة، فبه يبقى الدين الإسلامي ويزهو، قال السرخسي: (استقر الأمر على فرضية الجهاد مع المشركين إلى قيام الساعة)([14])، فعن أنس بن مالك t قال: قال رسول الله r: "ثلاثة من أصل الإيمان: الكف عن من قال لا اله إلا الله ولا تُكَفِّرُهُ([15]) بذنب، ولا تخرجه من الإسلام بعمل، والجهاد ماض منذ بعثني الله إلى أن يقاتل آخر أمتي الدجال، لا يبطله جور جائر ولا عدل عادل، والإيمان بالأقدار)([16]).
الألفاظ ذات الصلة به:
- القتال: قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} [التوبة: 111].
- الغزو: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى لَوْ كَانُوا عِنْدَنَا مَا مَاتُوا وَمَا قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللَّهُ ذَلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَاللَّهُ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [آل عمران: 156].
- الرباط: وهو المقام في ثغر العدو لإعزاز الدين ودفع شر المشركين عن المسلمين واصل الكلمة من ربط الخـيل قـــال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ} [الأنفال: 60].
عن سلمان t قال: سمعت رسول الله r يقول: "رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وان مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله وأُجري عليه رزقه، وَأَمِنَ الْفَتَّانَ"([17]).
- الصيال: الدفع عن كل ما هو معصوم وإن قلْ.
أو هو من قصده رجل في نفسه أو ماله أو في أهله أو في دينه، بغير حق، فله أن يدفعه([18]).
عن أنس بن مالك t قال: كان رسول الله r إذا غزا قال: (اللهم أنت عضدي([19]) ونصيري بك أحُول([20]) وبك أصول وبك أقاتل)([21]).
- الإغارة: قال عروة حدثني أسامة t أن رسول الله r كان عهد إليه فقال: (أغر على أبنى([22]) صباحاً، وحَرِّق)([23]).
- السِّيَر: وهي السنة والطريقة التي اتبعها الرسول r في مغازيه وما يتعلق بها([24]).
أقسامه وشروطه
يقسم الجهاد على قسمين ولكل منهما شروطه والتي تختلف باختلاف فرضيته:
أولهما. جهاد الدفع (فرض عين) وعنده يجب على الجميع الدفع عند هجوم العدو لقوله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ } [التوبة: 41]، فيجب الخروج للدفاع على الجميع([25]).
وثانيهما: جهاد الطلب ( فرض كفاية ) وفيه شروط:
- الذكورة مع التكليف: عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: (قلت: يا رسول الله: ألا نغزو أو نجاهد معكم؟ فقــال: "لكن أحسن الجهاد وأجمله الحج، حج مبرور"، فقالت عائشة: فلا أدع الحج بعد إذ سمعت هذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم([26]).
- 2. الاستطاعة بالبدن والمال: فلا يجب الجهاد على من كان مصاب بمرض (الشديــد دون اليسير) بحيث يتعـذر قتاله أو تعظم مشقـــته، قال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [سورة النور: ٦1].
ولا على الفقير الذي لا يجد ما يكفي أهله في غيبته أو يجهز نفسه للقتال([27])، قال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (91) وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ} [سورة التوبة: ٩١ -92].
- إذن الأبوين... والمدين: فلا جهاد إلا بإذن الأبوين إذا كانا مسلمين أو أحدهما لشفقتيهما ورقتهما عليه، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما، قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فاستأذنه في الجهاد فقال: "أحي والداك"، قال: نعم، قال: "ففيهما فجاهد" ([28]).
ولأن الدَّين حق للعباد، كما جاء في خبر عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه رضي الله عنهما أنه قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: يا رسول الله إنْ قتلتُ في سبيل الله صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر، يُكَفِّر الله عني خطاياي؟، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "نعم"، فلما أدبر الرجل ناداه رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أمر به فنودي له، فقال له: رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وكيف قلت؟"، فأعاد قوله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "نعم، إلا الدَّين، كذلك قال لي جبريل"([29])، فلا يجوز الجهاد إلا بإذن الغريم، أو يكون له من يقضيه عنه([30]).
وعليه فإن الجهاد في حالة كونه (فرض كفاية) فإنه يجب على كل رجل مسلم عاقل، صحيح، قادر على بذل نفقة القتال، وليس لأحد عليه دَين، ولا حاجة به لأبويه أو أحدهما تقتضي بقاءه وتخلفه عن الجهاد.
أنواع الجهاد:
1- جهاد النفس: حملها على الإقبال على الله عز وجل، وهجرها ما طُبعت عليه من الغفلة والبعد عن جادة الصواب.
جهاد النفس هو جهاد الهوى، وجهاد ما في بواطننا من خبائث وأدران، وتطهيرها؛ لكي تسلم من الآفات والشبهات والشهوات، حتى تكون أهلاً للفيض الإلهي، والمدد الرباني.
2- الجهاد بالمال: تطهير المؤمن نفسه من عاهة الشُّحِّ، وهو الخطوة الأولى في طريق الفوز والفلاح؛ قال الباري جل جلاله: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9].
3- جهاد التعليم: إخراج الأمة من دياجير ظلام الجهل إلى نور العلم.
4- جهاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: الذود عن الشريعة الغرَّاء، والسهر على إقامة حدود الله تعالى وتثبيت أركان الدين في نفوس الناس.
5- جهاد الكلمة والحجة: (الجهاد البياني): بذل الجهد باللسان وبالقلم ضد كل انحراف.
6- جهاد التعبئة والبناء: تعبئة الأمة وتعليمها ما أمر الله تعالى به؛ بأن يكونوا مجاهدين، في بناء مجتمع العمران الأخوي.
7- جهاد الكفر والفقر: معركة الحق ضد الباطل، ومحاربة الطبقية والرأسمالية بالقضاء على الفقر أخي الكفر.
8- الجهاد الاقتصادي: بذل الجهد لتحقيق القوة الاقتصادية، وإنعاش الاقتصاد، وتحقيق الكفاية المادية للأمة.
9- الجهاد القتالي: بذل الجهد عن طريق المدافعة أو القتال في حماية دار الإسلام ودعوة الإسلام، ودين الله عز وجل وإزالة الحواجز والعقبات من طريق الدعوة الإسلامية؛ حتى تبلِّغ كلمتها إلى العالم، وردع المعتدين ومنعهم من الأذى والفساد.
وشمولية معاني الجهاد يجعل ترجمته إلى اللغات الأخرى أمرًا صعبًا وضارًّا، حيث تفرغه تلك الترجمة من مضمونه ومعناه السامي، وتشوِّه معناه؛ كما حدث لترجمته إلى اللغة الإنجليزية التي أطلقت عليه اسم الحرب المقدسة (Holy War)، حيث عمَّمت بابًا واحدًا من أبوابه الكثيرة، أو نوعًا واحدًا من أنواعه المختلفة، وسدَّت باقي أبواب الجهاد، وطمست بقية الأنواع.
([1]) ينظر: مختار الصحاح، محمد بن أبي بكر عبد القادر الرازي (ت666هـ) تحقيق: محمود خاطر (مكتبة لبنان ناشرون –بيروت 1415هـ-1995م) 48 مادة (جـ هـ د). لسان العرب للإمام العلامة أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الأفريقي المصري (ت771هـ) (ط1، دار صادر -بيروت) 3/133-134 مادة (جهد).
([2]) ينظر: طلبة الطلبة في الاصطلاحات الفقهية، لنجم الدين أبي حفص عمر بن محمد النسفي ( 537)، تحقيق: خالد عبد الرحمن العك، دار النفائس، عمان، 1416هـ ـ 1995م: 1/186.
([3]) ينظر: رد المحتار على الدر المختار، محمد أمين عابدين بن السيد عمر عابد بن عبد العزيز بن احمد الدمشقي الحنفي (ت1252هـ) تحقيق: عبد المجيد طعمه حلبي (ط1، دار المعرفة، بيروت-لبنان 1420هـ-2000م) 6/190
([4]) ينظر: مقدمات ابن رشد لبيان ما اقتضته المدونة من أحكام لأبي الوليد محمد بن احمد بن رشد (ت520هـ) (دار الفكر، بيروت- لبنان 1424هـ-2004م) 1/367، التاج والإكليل لمختصر خليل، محمد بن يوسف أبي القاسم العبدري (ت897هـ) (ط2، دار الفكر، بيروت 1398هـ) 3/346.
([5]) ينظر: حاشية الشرقاوي، الشيخ عبد الله بن مجازي بن إبراهيم الشافعي الأزهري (ت1226هـ) (ط1، دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان 1418هـ-1997م) 4/261.
([6]) ينظر: كشاف القناع، للشيخ العلامة منصور بن يونس بن إدريس البهوتي (ت1051هـ) تحقيق: الشيخ محمد عدنان ياسين درويش (ط1، دار الفكر –بيروت 1402هـ) 3/32.
([7]) ينظر: جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام، للشيخ محمد النجفي (ت1266هـ) (ط1، دار المؤرخ العربي –بيروت –لبنان 1412هـ-1992م) 7/491.
([8]) ينظر: الفقه الإسلامي وأدلته، للأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي (ط1، 1984، ط4 معدله، دار الفكر بدمشق 1418هـ-1997م) 8/5846.
([9]) ينظر: كشف الظنون، مصطفى بن عبد الله القسطنطيني الرومي الحنفي (دار الكتب العلمية –بيروت 1413هـ-1992م) 1/622.
([10]) أخرجه البخاري في الإيمان 1/26 باب من قال: إن الإيمان هو العمل، حديث 26 ومسلم في الإيمان 1/88 باب بيان كون الإيمان بالله تعالى أفضل الأعمال، حديث 83.
([11]) أخرجه البخاري في الرقاق 4/196-197 باب العزلة راحة من خلاط السوء، حديث 6494.
([12]) أخرجه البخاري في الجهاد والسير 2/203 باب الحور العين وصفتهن، حديث 2795 ومسلم في الإمارة 3/1498 باب فضل الشهادة في سبيل الله تعالى، حديث 1877.
([13]) ينظر: المبسوط، لأبي بكر محمد بن احمد بن أبي سهل السرخسي الحنفي (ت490هـ) تحقيق: أبي عبد الله محمد حسن محمد حسن إسماعيل الشافعي (ط1، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان 1421هـ-2001م) 9/4، الذخيرة، للإمام شهاب الدين أبي العباس أحمد بن إدريس بن عبد الرحمن الصنهاجي المصري المشهور بالقرافي، ت684هـ، تحقيق: أبي إسحاق أحمد عبد الرحمن، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1422هـ ـ 2001م: 3/215، المجموع، للإمام محي الدين أبي زكريا يحيى بن شرف النووي (ت676هـ)، (ط1، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان 1423هـ-2002م) 24/157، الفروع، شمس الدين محمد بن مفلح المقدسي (ت763هـ) تحقيق: الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي (ط1، مؤسسة الرسالة، بيروت-لبنان 1424هـ-2003م) 10/225، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام: 7/492، المحلى، لأبي محمد علي بن احمد بن سعيد بن حزم الظاهري (ت456هـ) تحقيق: احمد محمد شاكر (رحمه الله) (ط1، دار إحياء التراث العربي، بيروت- لبنان 1418هـ-1997م) 7/210.
([15]) أي ينسب إلى الكفر. عون المعبود، لأبي عبد الرحمن شرف الحق محمد أشرف ألصديقي العظيم آبادي (ت قبل 1322هـ) تحقيق: عبد الرحمن محمد عثمان (ط1، دار إحياء التراث العربي، بيروت- لبنان 1421هـ-2000م) 7/91.
([16]) أخرجه أبو داود في الجهاد 3/18، باب الغزو مع أئمة الجور، حديث 2532، والبيهقي في الجهاد 9/156 باب الغزو مع أئمة الجور، حديث 18261..
([17]) أخرجه مسلم في الإمارة 3/1520 باب فضل الرباط في سبيل الله U، حديث 1913 والنسائي في الجهاد 3/26 باب فضل المرابط، حديث 4376.
([18]) ينظر: روضة الطالبين، للإمام أبي زكريا يحيى بن شرف النووي الدمشقي (ت676هـ) تحقيق: الشيخ عادل احمد عبد الموجود والشيخ علي محمد عوض (دار الكتب العلمية، بيروت-لبنان 1421هـ-2000م) 7/391-392، المجموع 24/124.
([19]) عضدي: أي معتمدي. ينظر: عون المعبود: 7/138.
([20]) أحول: أي أصرف كيد العدو وأحتال لدفع مكرهم. ينظر: المصدر نفسه.
([21]) أخرجه أبو داود في الجهاد 3/42 باب ما يدعى عند اللقاء، حديث 2623 والترمذي في الدعوات عن رسول الله r 5/572 باب في الدعاء إذا غزا، حديث 3584. وقال حديث حسن غريب.
([22]) أغر: أمر من الإغارة و(أبنى) موضع من فلسطين بين عسقلان والرملة، عون المعبود 7/131.
([23]) أخرجه أبو داود في الجهاد 3/38 باب في الحرق في بلاد العدو، حديث 2616. وقال عنه: ضعيف.
([24]) ينظر: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، للعلامة فخر الدين عثمان بن علي الزيعلي الحنفي (ت743هـ) (ط1، المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق 1313هـ) 3/240-241، مغني المحتاج، للشيخ شمس الدين محمد بن محمد الخطيب الشربيني (ت977هـ) (دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان 1421هـ-2000م) 6/3.
([25]) ينظر: الاختيار لتعليل المختار، الإمام عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي الحنفي (ت683هـ) (ط1، دار الكتب العلمية، بيروت- لبنان 1419هـ-1998م) 4/125، الذخيرة: 3/225، تحرير المسالك إلى عمدة السالك، شهاب الدين أبو العباس (ابن النقيب) (ت769هـ) تحقيق: الشيخ عبد العزيز الخطيب الحسني الشافعي الدمشقي (دار البيروتي 1427هـ-2006م) 3/150، المغني، للإمام موفق الدين أبي محمد عبد الله بن احمد بن محمد بن قدامة المقدسي الجماعيلي الدمشقي الصالحي الحنبلي (ت620هـ) تحقيق: الدكتور محمد شرف الدين خطاب والدكتور السيد محمد السيد (دار الحديث، القاهرة 1425هـ-2004م) 9/426.
([26]) أخرجه البخاري في جزاء الصيد 1/441 باب حج النساء، حديث 1861.
([27]) ينظر: الذخيرة: 3/225، الهداية شرح بداية المبتدي، برهان الدين ابي الحسن علي بن أبي بكر بن عبد الجليل الرشداني المرغيناني، ( ت 593هـ )، ( ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1421هـ ـ 2000م ): 2/426، الاختيار لتعليل المختار: 4/125، تحرير المسالك إلى عمدة السالك: 3/150، المغني: 12/424 ـ 425، شرح منتهى الإرادات، منصور بن يونس بن إدريس البهوتي، ( ت 1051هـ )، مصححة على نسخة خطية محفوظة بدار الكتب الأزهرية: 2/91، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام: 7/499.
([28]) أخرجه البخاري في الجهاد 2/733 باب الجهاد بإذن الأبوين، حديث 3004 والترمذي في الجهاد 4/191 باب ما جاء فيمن خرج في الغزو وترك أبويه، حديث 1671.
([29]) أخرجه مالك في الجهاد: 2/461، باب الشهداء في سبيل الله، حديث 986، وأحمد من حديث أبي قتادة الأنصاري رضي الله تعالى عنه: 5/279، حديث 22595، والنسائي (المجتبى) في الجهاد: 6/33، من قاتل في سبيل الله تعالى وعليه دين، حديث 3155.
([30]) ينظر: الحاوي الكبير، لأبي الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي البصري، ت 450هـ، تحقيق: الشيخ علي محمد معوض والشيخ عادل أحمد عبد الموجود، ( دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1419هـ ـ 1999م ): 14/121 ـ 122. الكافي فقه الإمام أحمد بن حنبل، لابن قدامة موفق الدين عبد الله المقدسي، ت620هـ، تحقيق: محمد حسن إسماعيل الشافعي، ط1، ( دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1421هـ ـ 2001م ): 4/141 -142. المبدع في شرح المقنع: 3/315 ـ 316، المحلى: 7/211، جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام: 7/500-501.
عدد القراء : 1513