رقم الفتوى : 414
عنوان الفتوى : {وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ}
السؤال :
وردني سؤال من متابع لمقطع فيديو (https://www.youtube.com/watch?v=axTUgj7lenE&feature=youtu.be) عن قوله تعالى: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} يحمل اسم Chocho Dima تقول: ما شاء الله يا شيخنا ربي بارك فيك. عندي تسائل هل الله سبحانه يُطْعَم؟ أي من غير ما يطعمه أحد سبحانه. إذا في حديث إذا بتريد. وشكرا.
الفتوى :
{وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} [الذاريات: 57]
وردني سؤال من متابع لمقطع فيديو (https://www.youtube.com/watch?v=axTUgj7lenE&feature=youtu.be) عن قوله تعالى: {وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ} يحمل اسم
Chocho Dima
تقول:
ما شاء الله يا شيخنا ربي بارك فيك.
عندي تسائل هل الله سبحانه يُطْعَم؟ أي من غير ما يطعمه أحد سبحانه.
إذا في حديث إذا بتريد.
وشكرا.
الجواب:
في المستدرك على الصحيحين للحاكم (1/731)، 2003 عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: دَعَا رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ مِنْ أَهْلِ قُبَاءَ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْطَلَقْنَا مَعَهُ، فَلَمَّا طَعِمَ وَغَسَلَ يَدَيْهِ - أَوْ قَالَ: يَدَهُ - قَالَ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ، مَنَّ عَلَيْنَا فَهَدَانَا، وَأَطْعَمْنَا، وَسَقَانَا، وَكُلَّ بَلَاءٍ حَسَنٍ أَبْلَانَا، الْحَمْدُ لِلَّهِ غَيْرَ مُوَدَّعٍ، وَلَا مُكَافَئٍ، وَلَا مَكْفُورٍ، وَلَا مُسْتَغْنًى عَنْهُ،الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَطْعَمَ مِنَ الطَّعَامِ، وَسَقَى مِنَ الشَّرَابِ، وَكَسَا مِنَ الْعُرْيِ، وَهَدَى مِنَ الضَّلَالَةِ، وَبَصَّرَ مِنَ الْعَمَايَةِ، وَفَضَّلَ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقَ تَفْضِيلًا، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ». «هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ».
قال الله تبارك وتعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ يُطْعِمُ وَلَا يُطْعَمُ قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * قُلْ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ} [الأنعام: 14، 15]، فهو سبحانه وتعالى له الجود والغنى والكرم وهو غني عما سواه.
هو جل جلاله الذي يرزق عباده، ولا يحتاج إلى مَن يرزقه ويطعمه.
أي لا يأكل، لأنه لا يحتاج إلى ما يحتاجه المخلوق من الغذاء، فهو سبحانه كما أخبر عن ذاته: {اللَّهُ الصَّمَدُ} [الإخلاص: 2]، وهو الذي لا جوف له ولا يأكل ولا يشرب.
أَيْ: فهُوَ يَرْزُقُ وَلَا يُرْزَقُ.
أَيْ يَرْزُقُ النَّاسَ الطَّعَامَ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى مَنْ يَرْزُقُهُ وَيُطْعِمُهُ؛ لِأَنَّهُ سبحانه مُنَزَّهٌ عَنِ الْحَاجَةِ إِلَى الطَّعَامِ وَغَيْرِهِ، غَنِيٌّ بِنَفْسِهِ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ.
فهو الذي يُطعم ولا يطعم، وهو الرزاق ذو القوة المتين.
أخبر سبحانه أن الحكمة من خلق الجن والإنس هي قيامهم بعبادة الله، والله تعالى غني عن عبادتهم، وإنما هم المحتاجون إلى عبادته، لفقرهم إلى الله تعالى، فلا يُريد منهم رزقاً ولا إطعاماً؛ لأنه هو الرزاق القوي، الذي لا رزق للناس وغيرهم إلا من عنده، فهو الذي ينزل المطر، ويخرج الأرزاق من الأرض.
هو الرزاق الغني وما سواه مرزوق فقير، وهو سبحانه لا ينتفع من خلقه بشيء ولكنه يريد نفعهم، ففي الحديث القدسي في صحيح مسلم (4/1994)، 55 - (2577) عَنْ أَبِي ذَرٍّ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِيمَا رَوَى عَنِ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ، إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ، فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ، إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ، فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي، فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ، مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ، مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ، ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا، فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا، فَلْيَحْمَدِ اللهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ».
وفي صحيح مسلم (4/1990)، 43 - (2569) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: يَا ابْنَ آدَمَ مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَعُودُكَ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ؟ يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي، قَالَ: يَا رَبِّ وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ، فَلَمْ تُطْعِمْهُ؟ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي، يَا ابْنَ آدَمَ اسْتَسْقَيْتُكَ، فَلَمْ تَسْقِنِي، قَالَ: يَا رَبِّ كَيْفَ أَسْقِيكَ؟ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ، قَالَ: اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي" أي: لم تطعم عبدي. وذلك أن الاستطعام، وسؤال الرزق يستحيل في وصف الله تعالى، ومعنى الآية: أنه ما أوجب على عباده، ولم يكلفهم القيام برزق الخلق والإطعام.
من معاني الآية:
- {وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ}: أي ما أريد أنَ يرزقوا أنفسَهم ولا غيرهم، ولا أريد أنَ يطعموني، لأني منَزَّه عن الأكل وعن صفات البشر، وأنا غنيّ عن العالمين.
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:15] ، وقال تعالى: {وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} [محمد:38].
- {وَما أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ}: أَيْ أَنْ يُطْعِمُوا خَلْقِي، فَهُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ.
- أسند جل شأنه الإطعام لذاته الكريمة، والمراد عياله الفقراء، لأن مَن أطعم الناس لأجل الله فكأنما أطعمه سبحانه، وإلا فهو المنزه عن الطعام والشراب، ومنزه عن كل ما هو من صفات المخلوقين وحوائجهم.
- في مصنف ابن أبي شيبة (7/ 238)، 35656 - عَنْ عَمْرِو بْنِ مَالِكٍ قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا الْجَوْزَاءِ يَقُولُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونَ} [الذاريات: 57]، قَالَ: أَنَا أَرْزُقُهُمْ وَأَنَا أُطْعِمُهُمْ، مَا خَلَقْتُهُمْ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ.
هو سبحانه لا يريد منك شراباً، ولا يريد منك طعاماً، فالله سبحانه وتعالى بيده ملكوت السماوات والأرض، وإنما خلقك لتتخذه إلهاً، ولكي يخضع وجهك وقلبك له، وتسلم أمرك له.
وَرَدَ فِي بَعْضِ الْكُتُبِ الْإِلَهِيَّةِ: يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى: ابْنَ آدَمَ خَلَقْتُكَ لِعِبَادَتِي فَلَا تَلْعَبْ، وَتَكَفَّلْتُ بِرِزْقِكَ فَلَا تَتْعَبْ، فَاطْلُبْنِي تَجِدْنِي فَإِنْ وَجَدْتَنِي وَجَدْتَ كُلَّ شَيْءٍ، وَإِنْ فُتُّكَ فَاتَكَ كُلُّ شَيْءٍ، وَأَنَا أَحَبُّ إِلَيْكَ مِنْ كُلِّ شيء.
مما يستنبط من الآية:
إن فقرَ العبد إلى الله في حسن عبادته، أعظمُ من فقره وحاجته إلى الماء والطعام.
إن القلب إذا ذاقَ طعمَ عبادةِ الله تعالى، والإخلاصَ له، لم يكن عنده شيء قط أحلى من ذلك، ولا ألذَّ ولا أطيبَ. ولا يَخْلُص أحد من آلام الدنيا ومشاكلها، إلا بتحقيق العبودية لله تعالى.
الرزق إنما يُسْتَجْلَب بعبادة الله سبحانه وتعالى، وأما المعاصي فإنها تسبِّب منع الرزق.
عدد القراء : 868