رقم الفتوى : 34
عنوان الفتوى : الظن بلا استشارة أفقده كل شيء
السؤال :
باع امرؤ داره ودكانه في البلد، وقرر السفر مع عائلته، إلى بلد عربي أو أجنبي، وهناك تفاجأ بالغلاء الفاحش، وتفاجأ بصعوبة الحصول على الأوراق الرسمية؛ للإقامة، ومرت به الأيام ينفق رأس ماله، ثم عاد بـ (خُفَّي حُنَيْن) ([1]) إلى البلد، وقد أضاع بيته (مكان استقراره)، ودكانه (مصدر رزقه).
الفتوى :
الظن بلا استشارة أفقده كل شيء
أضاع كل ما يملك تبعاً للظن؛ دون استشارة
باع امرؤ داره ودكانه في البلد، وقرر السفر مع عائلته، إلى بلد عربي أو أجنبي، وهناك تفاجأ بالغلاء الفاحش، وتفاجأ بصعوبة الحصول على الأوراق الرسمية؛ للإقامة، ومرت به الأيام ينفق رأس ماله، ثم عاد بـ (خُفَّي حُنَيْن) ([1]) إلى البلد، وقد أضاع بيته (مكان استقراره)، ودكانه (مصدر رزقه).
لو أن هذا الإنسان استشار أهل الاختصاص (أهل الخبرة) في هذا الشأن؛ لوفر عليه كثيراً من الجهد والمال، وبقي لديه بيته، وحمى دكانه، وحافظ على داره.
لن تخسر في الاستشارة، ربما إذا لم تربح على الأقل لن تخسر.
كثير ـ أثناء الأزمة وما زال الأمر فيه اضطراب ـ من الناس يتوقع أن بلداً آخر هو أفضل من بلده، وأن سفره أفضل من بقائه، وأن دولاً تستقبل (المهاجرين)، آسف على هذا التعبير.
نقول: إن كانت الهجرة شرعية فهناك اجراءات صحيحة، اتبعها، فتكون بخير.
ولكن الأسوأ عندما تكون الهجرة غير شرعية، (غير نظامية).
كم سمعنا، أناس تعرضوا للمهالك، وللأخطار، وللنهب، وللسلب، ولبعض الإصابات، ولبعض الأمراض، منهم مَن قُتِل في طريقه للوصول إلى بلد؛ يظن أنه سيجد هناك متنفساً، أو يجد أن هناك نوعاً من الأمان.
إذا كان الأمان من مشكلة عسكرية (أمنية، حربية)؛ فإن البلد الآخر لن يكون بمنأى عن المشاكل سواء كانت اجتماعية أو رسمية أو حتى بأوراق ثبوتية.
فالمشاكل عندما تكون على بلد معين؛ فإنها تتسع، وتنتشر لتطال عدداً كبيراً من الناس.
(المهاجر) عندما يكون في بلد آخر، وبمثل هذه الظروف فإن هناك نظرة خاصة له.
إن كان عند أصحاب العقل فربما هي نظرة إيجابية، وإن كان عند أصحاب المصالح فإنها ستكون نظرة سلبية.
فلماذا أعطي هذه الذريعة للآخرين؛ بأن ينظروا إليَّ هذه النظرة.
وقد أضاع بعض الأشخاص: ماله، وعمله، وتجارته، وبيته؛ ظن إنه إن باع كل شيء في مكانه سيعوضه في المكان الآخر.
الإنسان في وطنه متجذر، الإنسان في وطنه معزز مكرم.
ولكن عندما يذهب إلى بلد آخر سيتحول إلى مجرد رقم؛ لا كرامة له، وإن أعطي طعاماً وشراباً وكساءً ودواءً، ومأوى.
المسألة ليست كذلك.
المسألة ليست بأن تأوي إلى مكان ليطعموك، أو يلبسوك، أو يطببوك.
المسألة في جوهرها: أنت كيف تشعر؟ كيف تطمأن نفسياً وإيمانياً في المكان الذي تعيش فيه.
عندما أتى الناس من حولنا إلينا: أسكناهم قلوبنا، وبيوتنا، واقتسمنا معهم كل ما نملك، فهل يا ترى قابل الناسُ إحساننا بإحسان؟ أو إن أطرافاً تدخلت، وأهملت من احتاج إليهم في لحظة.
وفي قضيتنا الاقتصادية: استشر.
لماذا نستشير؟
نستشير؛ لأن الأصل في العلاقات هي آراء وأفكار؛ فإذا كانت الأفكار صحيحة تكون العلاقات متميزة، وعندما تكون الأفكار سيئة تكون العلاقات متباعدة ومتباينة.
يقولون: بأن الرأي الواحد كمثل الخيط الواحد؛ فإذا ضممت إليه خيطاً آخر (رأياً آخر) أصبح أقوى، وإذا ضممت (رأياً ثالثاً، ورابعاً، وخامساً) حتى يصبح حبلاً متيناً.
فكلما كثرت الاستشارات من الاختصاصيين أصحاب الخبرة كان الإقدام على الفعل أفضل وأنجح.
استشر في خطواتك المالية.
([1]) مثل: يضرب عند اليأس من الحاجة والرجوع بالخيبة. أصل المثل أن (حنينًا) كان إسكافيًا، من أهل الحيرة، فساومه أعرابي بخفين، فاختلفا حتى أغضبه، فأراد غيظ الأعرابي، فلما ارتحل الأعرابي أخذ (حُنين) أحد خفيّه وطرحه في الطريق، ثم ألقى الآخر في موضع آخر، فلمَّا مرَّ الأعرابي بأحدهما قال: ما أشبه هذا الخفَّ بخفّ (حنين) ولو كان معه الآخر لأخذته! ومضى فلمَّا انتهى إلى الآخر؛ ندم على تركه الأول، وقد كمن له (حنينٌ) فلمّا مضى الأعرابي في طلب الأوَّل عمد حنين إلى راحلته وما عليها فذهب بها، وأقبل الأعرابي وليس معه إلا الخفَّان، فقال له قومه، ماذا جئت به من سفرك؟ فقال: جئتكم بخفي حنين، فذهبت مثلاً.
عدد القراء : 1030