أسباب اختلاف الفقهاء
013 الدرس الثالث عشر 22 6 2019 لمجموعات الفتوى
المطلب الرابع ـ أسباب اختلاف الفقهاء:
لاحظنا فيما سبق ظاهرة اختلاف المذاهب في تقرير الأحكام الشرعية، ليس فيما بين المذاهب فقط، وإنما في دائرة المذهب الواحد، وقد يستغرب الشخص العادي غير المتخصص في الدراسات الفقهية مثل هذا الاختلاف، لاعتقاده أن الدين واحد، والشرع واحد، والحق واحد لايتعدد، والمصدر واحد وهو الوحي الإلهي، فلماذا التعدد في الأقوال، ولم لايوحد بين المذاهب، فيؤخذ بقول واحد يسير عليه المسلمون، باعتبارهم أمة واحدة؟! وقد يتوهم أن اختلاف المذاهب اختلاف يؤدي إلى تناقض في الشرع، أو المصدر التشريعي، أو أنه اختلاف في العقيدة، والعياذ بالله!!.
وهذا كله وهم باطل، فإن اختلاف المذاهب الإسلامية رحمة ويسر بالأمة، وثروة تشريعية كبرى محل اعتزاز وفخار، واختلاف في مجرد الفروع والاجتهادات العملية المدنية الفقهية، لا في الأصول والمبادئ أو الاعتقاد، ولم نسمع في تاريخ الإسلام أن اختلاف المذاهب الفقهية أدى إلى نزاع أو صدام مسلح هدد وحدة المسلمين، أو ثبط همتهم في لقاء أعدائهم؛ لأنه اختلاف جزئي لا يضر، أما الاختلاف في العقيدة فهو الذي يعيبها ويفرق بين أبنائها، ويمزق شملها، ويضعف كيانها، لهذا فإن العودة إلى العمل بالفقه الإسلامي، والاعتماد على تقنين موحد مستمد منه سبيل لتدعيم وحدة الأمة الإسلامية ونبذ خلافاتها.
وبه يتبين أن اختلاف الفقهاء محصور فقط بين المأخوذ من مصادر الشريعة، بل هو ضرورة اجتهادية يمليها الاجتهاد نفسه في فهم الحكم من الأدلة الشرعية مباشرة، كما هو الشأن في تفسير نصوص القوانين، واختلاف الشراح فيما بينهم، وذلك إما بسبب طبيعة اللغة العربية المجملة أو المحتملة ألفاظها أحياناً أكثر من معنى واحد محدد، وإما بسبب رواية الحديث وطريق وصوله إلى المجتهد قوة وضعفاً، وإما بسبب التفاوت بين المجتهدين في كثرة أو قلة الاعتماد على مصدر تشريعي، أو لمراعاة المصالح والحاجات والأعراف المتجددة المتطورة. ومنبع الاختلاف: هو تفاوت الأفكار والعقول البشرية في فهم النصوص واستنباط الأحكام، وإدراك أسرار التشريع وعلل الأحكام الشرعية.
وذلك كله لا ينافي وحدة المصدر التشريعي، وعدم وجود تناقض في الشرع نفسه، لأن الشرع لا تناقض فيه، وإنما الاختلاف بسبب عجز الإنسان، لكن يجوز العمل بأحد الآراء المختلفة، رفعاً للحرج عن الناس الذين لا يجدون سبيلاً آخر بعد انقطاع الوحي إلا الأخذ بما غلب على ظن هذا المجتهد أو ذاك، مما فهمه من الأدلة الظنية.
والظن مثار اختلاف الأفهام، وقد قال النبي : "إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ، فَأَصَابَ، فَلَهُ أَجْرَانِ اثْنَانِ، وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ، فَلَهُ أَجْرٌ وَاحِدٌ"([1]).
أما الأدلة القطعية التي تدل على الحكم يقيناً وقطعاً بسبب قطعية ثبوتها وقطعية دلالتها المستنبطة منها، كالقرآن والسنة المتواترة أو المشهورة([2])، فلا مجال أصلاً لاختلاف الفقهاء في الأحكام المستفادة منها.
([1]) متفق عليه من حديث عمرو بن العاص وأبي هريرة، ورواه بقية أصحاب الكتب الستة.
([2]) السنة عند الحنفية أنواع ثلاثة: متواترة ومشهورة وآحاد، والمتواترة: هي ما رواها عن الرسول جمع يمتنع عادة تواطؤهم على الكذب، وذلك في العصور الثلاثة الأولى: عصر الصحابة والتابعين. والمشهورة: هي ما كان من الأخبار آحادياً في الأصل ثم انتشر في القرن الثاني بعد الصحابة. وسنة الآحاد: هي ما رواها عن الرسول واحد أو اثنان فصاعداً دون المشهور والمتواتر من العصور الثلاثة الأولى.
عدد القراء : 1061