مفهوم الطهارة
017 الدرس السابع عشر 26 6 2019 لمجموعات الفتوى
البَابُ الأوَّل:
الطَّهارات (الوسائل) أو (مقدمات الصلاة)
الفَصْلُ الأوَّل: الطَّهارة
قدم الفقهاء بحث الطهارة على الصلاة؛ لأن الطهارة مفتاح الصلاة، وشرطٌ لصحة الصلاة، والشرط مقدم على المشروط، قال : "مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ، وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ، وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ"([1])، وقال: "الطُّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ"([2]).
مطلب: تعريف الطهارة:
الطّهارة في اللّغة: النّظافة، يقال: طهر الشّيء بفتح الهاء وضمّها يطهُر بالضّمّ طهارةً فيهما، والاسم: الطُّهر بالضّمّ، وطهّره تطهيراً، وتطهّر بالماء، وهم قوم يتطهّرون أي: يتنزّهون من الأدناس، وإنسان طاهر الثّياب، أي: منزّه([3]).
وفي الشّرع: زوال حدث (حالة تصيب المكلف) أو خبث (نجاسة عينية)، أو رفع الحدث أو إزالة النّجس، أو ما في معناهما أو على صورتهما([4]).
مطلب: أهمية الطهارة([5]):
للطهارة أهمية كبيرة في الإسلام، سواء أكانت حقيقية؛ وهي طهارة الثوب، والبدن، ومكان الصلاة من النجاسة، أم طهارة حكمية؛ وهي طهارة أعضاء الوضوء من الحدث، وطهارة جميع الأعضاء الظاهرة من الجنابة؛ لأن الطهارة شرط دائم لصحة الصلاة التي تتكرر خمس مرات يومياً.
وبما أن الصلاة قيام بين يدي الله تعالى، فأداؤها بالطهارة تعظيم لله، وبالطهارة تطهُر الروح والجسد معاً.
وعناية الإسلام بجعل المسلم دائماً طاهراً من الناحيتين المادية والمعنوية([6]) أكمل وأوفى دليل على الحرص الشديد على النقاء والصفاء، وعلى أن الإسلام مثل أعلى للزينة والنظافة، والحفاظِ على الصحة الخاصة والعامة، وبناء البنية الجسدية في أصح قِوام، وأجمل مظهر، وأقوى عماد، ولصون البيئة والمجتمع من انتشار المرض، والضعف، والهزال؛ لأن غسل الأعضاء الظاهرة المتعرضة للغبار، والأتربة، والنُّفايات، والجراثيم يومياً، وغسل الجسم في أحيان متكررة عقب كل جنابة، كفيلٌ بحماية الإنسان من أي تلوث.
وقد ثبت طبياً أن أنجع علاج وقائي للأمراض الوبائية وغيرها هو النظافة، والوقاية خير من العلاج.
وقد امتدح الله تعالى المتطهرين، فقال: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222]، وأثنى سبحانه على أهل قُباء بقوله: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ} [التوبة: 108].
وعلى المسلم أن يكون بين الناس مثالاً بارزاً في نظافته، وطهره الظاهر والباطن.
قال لجماعة من صحبه: "إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ، فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ وَلِبَاسَكُمْ، حَتَّى تَكُونُوا كَأَنَّكُمْ شَامَةً فِي النَّاسِ، فَإِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلا التَّفَحُّشَ"([7]).
([1]) حديث صحيح حسن أخرجه أبو داود والترمذي وابن ماجه عن علي بن أبي طالب (نصب الراية 1/307).
([2]) حديث صحيح رواه مسلم. والمراد بالطهور هنا الفعل؛ بضم الطاء، واختلف في معناه، فقيل: إن الأجر فيه ينتهي إلى نصف أجر الإيمان، وقيل: المراد بالإيمان هنا: الصلاة، قال تعالى: {وما كان الله ليضيع إيمانكم} [البقرة: 143]، وبما أن الطهارة شرط في صحة الصلاة، فصارت كالشطر، والظاهر أن المراد بالطهارة في هذا الحديث: الطهارة المعنوية، لأن المسلم إذا كان متصفاً بطهارة القلب من الصفات الذميمة كالكبر والحقد والحسد، كان إيمانه ضعيفاً، وإذا ما صفت روحه وخلصت نفسه صار إيمانه كاملاً.
([3]) مختار الصحاح، مادة (طهر).
([4]) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح ص 11، وكفاية الأخيار، الحصني ص 6، وكشاف القناع عن متن الإقناع، البهوتي 1/24.
([5]) يُنْظَر: الفقه الإسلامي وأدلته، أستاذنا الدكتور وهبة الزحيلي، 1/89، وما بعدها.
([6]) لا تنفع الطهارة الظاهرة إلا مع الطهارة الباطنة: بالإخلاص لله، والنزاهة عن الغل والغش والحقد والحسد، وتطهير القلب عما سوى الله في الكون، فيعبده الإنسان لذاته مفتقراً إليه، لا لسبب نفعي.
([7]) رواه أحمد في مسنده، وأبو داود، والحاكم في المستدرك، والبيهقي في السنن الكبرى عن سهل بن الحنظلية.
عدد القراء : 1136