ماء طاهر مطهّر مكروه
023 الدرس الثالث والعشرون 2 7 2019
مطلب: المياه الّتي يجوز التّطهير بها، والّتي لا يجوز:
قسّم الفقهاء الماء من حيث جواز التّطهير به ورفعه للحدث والخبث، أو عدم ذلك، إلى عدّة أقسام:
أ - ماء طاهر مطهّر غير مكروه، وهو الماء المطلق،
ب - ماء طاهر مطهّر مكروه، وخصّ كلّ مذهب هذا القسم بنوعٍ من المياه:
فخصّ الحنفيّة([1]) ذلك بالماء الّذي شرب منه حيوان، مثل: الهرّة الأهليّة، والدّجاجة المخلاة، وسباع الطّير، والحيّة، والفأرة، وكان قليلاً،
والكراهة تنزيهيّة على الأصحّ، وهو ما ذهب إليه الكرخيّ معلّلاً ذلك بعدم تحاميها النّجاسة،
ثمّ إنّ الكراهة إنّما هي عند وجود الماء المطلق، وإلاّ فلا كراهة أصلاً.
وصرّح المالكيّة([2]) بأنّ الماء إذا استعمل في رفع حدث (وضوء)، أو في إزالة حكم خبث؛ فإنّه يكره استعماله بعد ذلك في طهارة حدث آخر؛ كوضوء، أو اغتسالٍ مندوب؛ لا في إزالة حكم خبث.
والكراهة مقيّدة بأمرين:
أن يكون ذلك الماء المستعمل قليلاً؛ كآنية الوضوء والغسل،
وأن يوجد غيره،
وإلاّ فلا كراهة.
كما يكره عندهم الماء اليسير - وهو ما كان قدر آنية الوضوء، أو الغسل، فما دونها - إذا حلّت فيه نجاسة قليلة؛ كالقطرة، ولم تغيّره.
قال الدّسوقيّ: الكراهة مقيّدة بقيود سبعة:
أن يكون الماء الّذي حلّت فيه النّجاسة يسيراً،
وأن تكون النّجاسة الّتي حلّت فيه قطرة فما فوقها،
وأن لا تغيّره،
وأن يوجد غيرُه،
وأن لا يكون له مادّة (مكان، حيز) كبئر،
وأن لا يكون جارياً،
وأن يراد استعماله فيما يتوقّف على طهور؛ كرفع حدث، أو حكم خبث، ووضوء، أو غسلٍ مندوب.
فإن انتفى قيد منها؛ فلا كراهة.
ومن المكروه: الماء اليسير الّذي ولغ فيه كلب؛ ولو تحقّقت سلامة فيه (فمه) من النّجاسة، وسؤر شارب الخمر.
وعند الشّافعيّة الماء المكروه ثمانية([3]):
المشمّس (الماء الموضوع في آنية معدنية والمسخن تحت أشعة الشمس مباشرة)، وشديد الحرارة، وشديد البرودة، وماء ديار ثمود([4]) إلاّ بئر النّاقة، وماء ديار قوم لوط([5])، وماء بِئْرِ بَرَهُوتَ([6])، وماء أرض بابل([7])، وماء بِئْرِ ذَرْوَانَ([8]).
والمكروه عند الحنابلة([9]): الماء المتغيّر بغير ممازج؛ كدهن، وقَطِران، وقِطَع كافور، أو ماء سخّن باستعمال شيء مغصوب أو بنجاسة، أو الماء الّذي اشتدّ حرّه أو برده،
والكراهة مقيّدة بعدم الاحتياج إليه، فإن احتيج إليه تعيّن وزالت الكراهة.
وكذا يكره استعمال ماء البئر الّذي في المَقْبُرَة، وماء في بئر في موضع غصب، وما ظُنّ تنجّسه،
كما نصّوا على كراهة استعمال ماء زمزم في إزالة النّجاسة دون طهارة الحدث؛ تشريفاً له([10]).
([1]) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح 1/13.
([2]) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، الدردير 1/41 وما بعدها إلى 43.
([3]) نهاية المحتاج، الرملي 1/61، وحاشيتا قليوبي وعميرة 1/19.
([4]) هِيَ مَدَايِنُ صَالِحٍ الْمَعْرُوفَةُ الْآنَ بِطَرِيقِ الْحَجِّ الشَّامِيِّ بِقُرْبِ الْعُلَا وَبُيُوتُهُمْ بَاقِيَةٌ إلَى الْآنَ مَنْقُورَةٌ فِي الْجِبَالِ كَمَا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ {وَتَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا}.
([6]) في المعجم الأوسط، (3912)، 4/179: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "خَيْرُ مَاءٍ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مَاءُ زَمْزَمَ، فِيهِ طَعَامٌ مِنَ الطُّعْمِ، وَشِفَاءٌ مِنَ السَّقَمِ، وَاللَّهِ مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مَاءٌ شَرٌّ مِنْ مَاءِ بِئْرٍ بِوَادِي بَرْهُوتَ، كَرِجْلِ الْجَرَادِ مِنَ الْهَوَامِّ، يُصْبِحُ يَتَدَفَّقُ وَيُمْسِي لَا بِلَالَ بِهَا". بئر في اليمن.
([7]) في سنن أبي داود، (490)، 1/363: عن أبي صالح الغِفاريُّ: أنَّ عليّاً رضي الله عنه مرَّ ببابِلَ وهو يسيرُ، فجاءَه المُؤذِّنُ يُؤذِنُه بصلاةِ العَصرِ، فلما برزَ منها أمرَ المُؤَذِّنَ فأقامَ الصَّلاةَ، فلما فَرَغَ قال: إنَّ حبيبي صلى الله عليه وسلم نهاني أن أُصلِّيَ في المَقبُرةِ، ونهاني أن أُصلِّيَ في أرض بابِلَ، فإنها ملعونةٌ. النهي عن الصلاة في المقبرة صحيح لغيره، وهذا إسناد ضعيف لانقطاعه، أبو صالح الغفاري - واسمه سعيد بن عبد الرحمن - لم يسمع من علي فيما قال ابن يونس، وقد اختلف على عبد الله بن وهب فيه، فرواه سليمان بن داود هنا عنه عن ابن لهيعة ويحيى بن أزهر عن عمار بن سعد المرادي، ورواه أحمد بن صالح كما سيأتي بعده عنه عن ابن لهيعة ويحيى بن أزهر عن حجاج بن شداد. وعمار بن سعد روى عنه جمع وذكره ابن حبان في "الثقات" ووثقه ابن يونس وقال: كان فاضلاً، وحجاج بن شداد روى عنه جمع ولم يوثقه أحد. وأخرجه البيهقي 2/ 451 من طريق المصنف، بهذا الإسناد. وللنهي عن الصلاة في المقبرة شاهد من حديث أبى سعيد الخدري سيأتي برقم (492)، وآخر من حديث أبي مرثد الغنوي عند مسلم (972)، ولفظه: "لا تصلوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها". وأما النهي عن الصلاة في أرض بابل، فقد أخرج من قول على عبد الرزاق (1623)، وابن أبي شيبة 2/377، والبخاري في "التاريخ الكبير" 5/210من طريقين عن عبد الله ابن شريك العامري، عن عبد الله بن أبي المحل قال: مررنا مع علي بالخسف الذي ببابل، فكره أن يصلي فيه حتَّى جاوزه. ؤهذا إسناد حسن في الشواهد. وأخرج ابن أبى شيبة 2/ 377 عن وكيع، عن المغيرة بن أبي الحر الكندي، عن حجر بن عنبس الحضرمي قال: خرجنا مع علي إلى النهروان، حتَّى إذا كنا ببابل حضرت صلاة العصر فقنا: الصلاة، فسكت، ثمَّ قلنا: الصلاة، فسكت، فلما خرج منها صلى ثمَّ قال: ما كنت أصلي بأرض خُسِفَ بها، ثلاث مرات. وهذا إسناد حسن.
([8]) وَهِيَ الْبِئْرُ الَّتِي وُضِعَ فِيهَا السِّحْرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
([9]) كشاف القناع عن متن الإقناع، البهوتي 1/27، 2/28.
([10]) حاشية الطحطاوي على مراقي الفلاح 1/13، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير، الدردير 1/41 وما بعدها إلى 43، ونهاية المحتاج، الرملي 1/61، وحاشيتا قليوبي وعميرة 1/19، وكشاف القناع عن متن الإقناع، البهوتي 1/27، 2/28.
عدد القراء : 912