يستحب للمضحي بعد الذبح أمور
897 يستحب للمضحي بعد الذبح أمور 17 4 1443 22 11 2021
الباب الثامن: الأضحية
مطلب: تعريف الأضحيّة.
مطلب: مشروعية الأضحية ودليلها.
مطلب: حكم الأضحية.
الأضحية المنذورة.
مطلب: شروط وجوب الأضحية أو سنيتِها.
مطلب: شروط صحة الأضحية.
مطلب: ما يستحب قبل التضحية.
مطلب: ما يستحب وما يكره بعد التضحية:
أ - يستحب للمضحي بعد الذبح أمور:
منها: أن يأكل منها وَيُطْعِمَ وَيَدَّخِرَ؛ لقوله تعالى: {وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُل ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُل فَجٍّ عَمِيقٍ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 27، 28].
وقولِه عز وجل: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ} [الحج: 36].
ولقولِه صلى الله عليه وسلم: "إِذَا ضَحَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُل مِنْ أُضْحِيَّتِهِ"([1]).
والأفضل أن يتصدق بالثلث، ويتخذ الثلث ضيافة لأقاربه وأصدقائه، وَيَدَّخِرَ الثلث، وله أن يهب الفقير والغني.
وقد صح عن ابن عباس رضي الله عنهما في صفة أضحية النبي صلى الله عليه وسلم قال: "وَيُطْعِمُ أَهْل بَيْتِهِ الثُّلُثَ، وَيُطْعِمُ فُقَرَاءَ جِيرَانِهِ الثُّلُثَ، وَيَتَصَدَّقُ عَلَى السُّؤَال بِالثُّلُثِ"([2]).
قال الحنفية: ولو تصدق بالكل جاز، ولو حبس الكل لنفسه جاز؛ لأن نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك كان من أجل الدافة، وهم جماعة من الفقراء دفت (أي نزلت) بالمدينة، فأراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدق أهل المدينة عليهم بما فضل عن أضاحيهم، فنهى عن الادخار فوق ثلاثة أيام.
ففي حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قالوا يا رسول الله: إن الناس يتخذون الأسقية [الأَوْعِيَة الْمَصْنُوعَة مِنْ جِلْدٍ] من ضحاياهم ويجعلون فيها الوَدَكَ [الدُّهن]، قال: "وَمَا ذَاكَ؟"، قالوا: نهيت أن تؤكل لحوم الأضاحي بعد ثلاث، فقال: "إِنَّمَا نَهَيْتُكُمْ مِنْ أَجْل الدَّافَّةِ الَّتِي دَفَّتْ، فَكُلُوا، وَادَّخِرُوا وَتَصَدَّقُوا"([3]).
وفي حديث سلمة بن الأكوع رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَنْ ضَحَّى مِنْكُمْ فَلاَ يُصْبِحَنَّ بَعْدَ ثَالِثَةٍ وَفِي بَيْتِهِ مِنْهُ شَيْءٌ"، فلما كان العام المقبل. قالوا يا رسول الله نفعل كما فعلنا عام الماضي؟ قال: "كُلُوا وَأَطْعِمُوا وَادَّخِرُوا، فَإِنَّ ذَلِكَ الْعَامَ كَانَ بِالنَّاسِ جَهْدٌ، فَأَرَدْتُ أَنْ تُعِينُوا فِيهَا"([4]).
وإطعامها والتصدق بها أفضل من ادخارها، إلا أن يكون المضحي ذا عيال وَهُوَ غَيْرُ مُوَسَّعِ الْحَال؛ فإن الأفضل له حينئذ أن يدَّخره لعياله توسعة عليهم؛ لأن حاجته وحاجة عياله مقدمة على حاجة غيرهم، لقولِه صلى الله عليه وسلم: "ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَل شَيْءٌ فَلأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَل شَيْءٌ عَنْ أَهْلِكَ فَلِذِي قَرَابَتِكَ، فَإِنْ فَضَل عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا"([5]).
هذا مذهب الحنفية([6]).
وقال المالكية: يندب للمضحي الجمع بين الأكل من أضحيته وَالتَّصَدُّقِ وَالإِهْدَاءِ بِلاَ حَدٍّ في ذلك بثلث ولا غيره([7])، ولم يفرقوا بين منذورة وغيرها([8]).
وقال الشافعية: يجب بعد ذبح الأضحية الواجبة بالنذر أَوِ الْجُعْل وَالْمُعَيَّنَةِ عَنِ الْمَنْذُورِ فِي الذِّمَّةِ التصدق بها كُلِّهَا، وأما غير الواجبة فيجب بعد الذبح التصدق بجزء من لحمها نيئاً غَيْرَ قديد ولا تافه جداً. وزاد الحنابلة أنه إذا لم يتصدق حتى فاتت ضمن للفقراء ثمن أقل ما لا يعتبر تافهاً.
فلا يكفي التصدق بشيء من الشحم أو الكبد أو نحوهما ولا التصدق بمطبوخ، ولا التصدق بقديد وهو المجفف، ولا التصدق بجزء تافه جداً ليس له وقع.
ووجوب التصدق هو أحد وجهين وهو أصحهما.
ويكفي في التصدق الإعطاء، ولا يشترط النطق بلفظ التمليك ونحوه، وما عدا الجزء المتصدق به يجوز فيه الأكل والإهداء والتصدق على فقير.
والأفضل التصدق بها كُلِّهَا إلا لُقَمًا يسيرة يأكلها ندباً؛ للتبرك، والأولى أن تكون هذه اللُّقَمُ مِنَ الْكَبِدِ.
ويسن إن جمع بين الأكل والتصدق والإهداء ألا يأكل فوق الثلث، وألا يتصدق بدون الثلث، وأن يهدي الباقي([9]).
وقال الحنابلة: يجب التصدق ببعض الأضحية وهو أقل ما يقع عليه اسم لحم وهو الأُوقِيَّةُ، فإن لم يتصدق حتى فاتت ضمن للفقراء ثَمَنَ أُوقِيَّةٍ، ويجب تمليك الفقير لحماً نيئاً لا إِطْعَامُهُ([10]).
والمستحب أن يأكل ثلثاً، ويهدي ثلثاً، ويتصدق بثلث.
ولو أكل أكثر جاز.
وسواء فيما ذكر الأضحية المسنونة والواجبة بنحو النذر؛ لأن النذر محمول على المعهود، والمعهود من الأضحية الشرعية ذبحها، والأكل منها، والنذر لا يغير من صفة المنذور إلا الإيجاب([11]).
([1]) أخرجه أحمد في مسنده (2/391 ط الميمنية) وذكره الهيثمي في المجمع (4/25 ط القدسي) وقال: رجاله رجال الصحيح.
([2]) رواه أبو موسى الأصفهاني في الوظائف وحسنه كما في المغني، ابن قدامة (11/109 ط المنار).
([3]) أخرجه مسلم (3/1561 ط الحلبي).
([4]) أخرجه البخاري (فتح الباري 10/24) ومسلم (3/1563 ط الحلبي).
([5]) أخرجه مسلم (2/693 ط الحلبي).
([6]) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، الكاساني 5/81.
([7]) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 2/122.
([8]) لكنهم قالوا في الهدي المنذور: إذا نذره للمساكين وجب ذبحه والتصدق به جميعه وإذا نذره وأطلق وجب ذبحه ويسلك به بعد الذبح مسلك هدي التطوع. الشرح الكبير بحاشية الدسوقي 2/89. والظاهر أن الأضحية عندهم كذلك.
([9]) نهاية المحتاج مع حاشيتي الشبراملسي والرشيدي 8 / 133، 134.
([10]) لعل المقصود بالإطعام أن يدعى إلى أكل اللحم مطبوخاً، أو يعطاه مطبوخاً.
([11]) المغني بأعلى الشرح الكبير 11 / 108، 118، ومطالب أولي النهى 2 / 474.
عدد القراء : 497