أصناف الناس تجاه أموالهم
أصناف الناس تجاه أموالهم
في صحيح البخاري، تحقيق محمد زهير الناصر، ج4 (4/ 29)، بَاب الْخَيْلُ لِثَلَاثَةٍ وَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ}، 2860 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "الْخَيْلُ لِثَلَاثَةٍ لِرَجُلٍ أَجْرٌ وَلِرَجُلٍ سِتْرٌ وَعَلَى رَجُلٍ وِزْرٌ".
قال أهل العلم: المال كله كذلك، وإنما مثل النبي صلى الله عليه وسلم بالخيل؛ لأهميتها عند العرب، وإلا فالمال كله كذلك،
فالمال كله على ثلاثة أنواع:
النوع الأول: من له أجر، وهو: من لم يأخذه إلا من حله، ولم يضعه إلا في محله، وابتغى به وجه الله سبحانه وتعالى، وأعده لما كلفه الله به، فكان في يده ولم يكن في قلبه، لا يحزن على ما فاته منه، ولا يفرح بما ناله منه، وما كان منه تحت يده فهو في يده فحسب، ولا يدخله داخل قلبه، فالمال محله اليد، وليس محله القلب.
الثاني: من هو له ستر: وهو من أراد به التعفف عما في أيدي الناس والاستغناء عنهم، والحرية والاستقلال في الرأي، ولم يأخذه إلا من حله، وأراد أن يأخذ ما أحله الله له منه؛ لقول الله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [الأعراف:32]، فهذا النوع يستره من الزلل، فلا يذمه الناس بألسنتهم؛ لأنه جعله وقاية دون عرضه.
النوع الثالث: من هو عليه وزر، وهو ما حَصَّل عليه من غير حله، أو بعد أن جمعه -ولو من حله كمن ورثه- صرفه فيما لا يرضي الله سبحانه وتعالى، فجعله إرصاداً لمن حارب الله ورسوله، وتجبر به على عباد الله، وطغى وبغى: {كَلَّا إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى} [العلق:6 - 7]، فهذا المال يكون عليه وزراً، يأتي ويحمله يوم القيامة: {وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالًا مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ} [العنكبوت:13]، فسيأتي يحمله جميعاً؛ لأنه أخذه من غير حله.
إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حذر من هذا الخطر الداهم، الذي يتكالب عليه أقوام جهلوا أو تجاهلوا المصير الوارد، وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم كذلك خطراً في بعض أنواع المال خصوصاً.
ففي صحيح البخاري، تحقيق محمد زهير الناصر، ج4 (4/ 107)، 3198 عَنْ سَعِيدِ بْنِ زَيْدِ قَالَ: َسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "مَنْ أَخَذَ شِبْرًا مِنْ الْأَرْضِ ظُلْمًا فَإِنَّهُ يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ سَبْعِ أَرَضِينَ".
طوقه: أي: جعل قلادة في عنقه يوم القيامة من سبع أرضين، فيُقطَعُ له من كل الأرض المغصوبة، فيُجعلَ في عنقه يوم القيامة.
إن هذا المال ذو خطر جسيم، وأمر عظيم، وهو مع ذلك وقاية للإنسان، ويمكن أن يفتدي به في الدنيا؛ فإن كل إنسان يوم القيامة يستظل بظل صدقته، والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار، والله سبحانه وتعالى بسط يده بالخير إلى عباده، وقال: {مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ} [البقرة:245].
إن الله سبحانه وتعالى: هو القابض الباسط الرزاق الوهاب، وهو الذي دعا عباده إلى أن يقرضوه قرضاً حسناً، مع غناه عما في أيديهم، وما قدموه إنما يقدمونه لأنفسهم، قال الله تعالى في الحديث القدسي: كما في صحيح مسلم (8/ 16)، 6737 - عَنْ أَبِى ذَرٍّ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا رَوَى عَنِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ قَالَ: «يَا عِبَادِى ... إِنَّمَا هِىَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ،ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلاَ يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ».
هنا بين سبحانه وتعالى: أن مَن قَدَّم لله شيئاً فإن الله يضاعفُه له أضعافاً كثيرة.
وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك على وجه التقريب، ففي مسند الإمام أحمد، تحقيق شعيب الأرنؤوط، (15/ 248)، 9423 - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "مَا مِنْ عَبْدٍ مُؤْمِنٍ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ مِنْ طَيِّبٍ وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ إِلَّا طَيِّبًا وَلَا يَصْعَدُ السَّمَاءَ إِلَّا طَيِّبٌ إِلَّا وَهُوَ يَضَعُهَا فِي يَدِ الرَّحْمَنِ أَوْ فِي كَفِّ الرَّحْمَنِ فَيُرَبِّيهَا لَهُ كَمَا يُرَبِّي أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ أَوْ فَصِيلَهُ حَتَّى إِنَّ التَّمْرَةَ لَتَكُونُ مِثْلَ الْجَبَلِ الْعَظِيمِ".
والفلو: هو ولد الفرس، والفصيل: ولد الناقة، وتنميته: تربيته والإنفاق عليه حتى يتم ويصل إلى غاية الثمن.
عدد القراء : 503