shikh-img
رسالة الموقع
أول أيام شهر رمضان للعام 1442 هجري، هو يوم الثلاثاء الواقع فث 13/ 4/ 2021 ميلادي. تقبل الله منا و

حكم الأسآر

038 الدرس الثامن والثلاثون 17 7 2019

 

الفصل الثالث حكم الأسآر:

تعريف السّؤر:

السؤر لغةً([1]): بقيّة الشّيء، وجمعه أسآر، وأَسْأَر منه شيئاً: أَبْقَى، وفي حديث الفضل بن عبّاس: ما كنت أُوْثِر على سؤرك أحداً([2]). وبقيّة كلّ شيء سؤره.

والسّؤر في الاصطلاح هو: فضلة الشّرب، وبقيّة الماء، الّتي يبقيها الشّارب في الإناء، أو في الحوض، ثمّ استُعِيْر لبقيّة الطّعام أو غيره([3]).

الحكم التّكليفيّ:

اختلف الفقهاء في أحكام الأسآر على اتّجاهين:

أحدها: يذهب إلى طهارة الأسآر، وهو مذهب المالكيّة.

والآخر: مذهب جمهور الفقهاء الّذين يرون طهارة بعض الأسآر ونجاسة بعضها([4]).

النّوع الأوّل السؤر المتّفق على طهارته: وهو سؤر الآدميّ بجميع أحواله؛ مسلماً كان أو كافراً، صغيراً كان أو كبيراً، ذكراً أو أنثى، حائضاً أو نفساء أو جنباً؛

لقوله صلى الله عليه وسلم: "الْمُؤْمِنُ لاَ يَنْجُسُ"([5])،

ولحديث شرب النّبيّ صلى الله عليه وسلم من سؤر عائشة([6])،

وقد أتي صلى الله عليه وسلم بلبن فشرب بعضه، وناول الباقي أعرابيّاً كان على يمينه فشرب، ثمّ ناوله أبا بكر رضي الله عنه فشرب، وقال: "الأَيْمَنَ فَالأَيْمَنَ"([7])،

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أشرب وأنا حائض، ثمّ أناوله النّبيّ صلى الله عليه وسلم فيضع فاه على موضع فِيَّ فيشرب([8])؛

إلاّ في حال شرب الخمر فيكون سؤره نجساً، لنجاسة فمه بالخمر.

النّوع الثاني: السّؤر المتّفق على نجاسته عند جمهور الفقهاء: هو سؤر الكلب، والخنزير، وسائر سباع البهائم.

أمّا الخنزير فلأنّه نجس العين؛ لقوله تعالى: {فَإنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145]. ولعابه يتولّد من لحمه النّجس،

ولقوله صلى الله عليه وسلم في الكلب: "طَهُورُ إِنَاءِ أَحَدِكُمْ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ أَنْ يَغْسِلَهُ سَبْعَ مَرَّاتٍ؛ أُولاَهُنَّ بِالتُّرَابِ"([9]).

النّوع الثالث: عند الحنفية السّؤر الطّاهر المكروه: وهو سؤر سباع الطّير؛ كالبازي، والصّقر، والحدأة، ونحوها؛ فسؤرها طاهر؛ لأنّها تشرب بمنقارها، وهو عظم جافّ، فلم يختلط لعابها بسؤرها، إلاّ أنّه يكره سؤرها؛ لأنّ الغالب أنّها تتناول الجيف، والميتات؛ فأصبح منقارها في معنى منقار الدّجاجة المخلّاة.

ومن هذا النّوع: سؤر الهرّة فهو طاهر، ولكنّه مكروه؛

لما روي عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً إلى رسول اللّه صلى الله عليه وسلم أنّه قال: "السِّنَّوْرُ سَبُعٌ"([10])،

ولقوله صلى الله عليه وسلم: "يُغْسَل الإِنَاءُ إِذَا وَلَغَ فِيهِ الْكَلْبُ سَبْعَ مَرَّاتٍ؛ أُولاَهُنَّ أَوْ آخِرُهُنَّ بِالتُّرَابِ، وَإِذَا وَلَغَتْ فِيهِ الْهِرَّةُ غُسِل مَرَّة"([11]).

وذهب الشّافعيّة إلى أنّ([12]): سؤر جميع الحيوانات من الأنعام، والخيل، والبغال، والحمير، والسّباع، والهرّة، والفئران، والطّيور، والحيّات، وسائر الحيوانات المأكولة وغير المأكولة؛ طاهر لا كراهة فيه.

واستدلّوا لذلك بقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78]،

ولما ورد عن كبشة زوجة أبي قتادة رضي الله عنهما أنّ أبا قتادة دخل عليها، فسكبت له وضوءً، فجاءت هرّة تشرب منه، فأصغى لها الإناء حتّى شربت، قالت كبشة: فرآني أنظر إليه، فقال: أتعجبين يا ابنة أخي؟ فقلت: نعم. فقال إنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال: "إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَجَسٍ، إِنَّمَا هِيَ مِنَ الطَّوَّافِينَ عَلَيْكُمْ أَوِ الطَّوَّافَاتِ"([13])،

ولما روي عن جابر رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قيل له: أنتوضّأ بما فضلت الحُمُر؟ قال: "وَبِمَا أَفْضَلَتِ السِّبَاعُ"([14]).

وعن عمرو بن خارجة رضي الله عنه قال: خطب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم على ناقته، وإنّ لعابها يسيل بين كَتِفَيَ([15])،

وعن أبي سعيد الخدريّ رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سُئِل عن الحياض الّتي بين مكّة والمدينة تَرِدُها (تمر بها وتشرب) السّباع، والكلاب، والحُمُر، وعن الطّهارة منها، فقال صلى الله عليه وسلم: "لَهَا مَا حَمَلَتْ فِي بُطُونِهَا، وَلَنَا مَا غَبَرَ([16]) طَهُورٌ"([17])،

ولما روي أنّ عمر رضي الله عنه خرج في ركب فيه عمرو بن العاص حتّى وردا حوضاً، فقال عمرو بن العاص: يا صاحب الحوض، هل ترد حوضك السّباع؟ فقال عمر: يا صاحب الحوض لا تخبره؛ فإنّنا نرد على السّباع وترد علينا([18]).

وأضاف الحنابلة إلى السؤر الطاهر: سؤر ما يؤكل لحمه، حيث يجوز شربه والوضوء به، إلاّ إن كان جلّالاً يأكل النّجاسات.

وكذا سؤر الهرّة وما يماثلها من الخلقة أو دونها كالفأرة ونحوها، فسؤره طاهر؛ يجوز شربه والوضوء به، ولا يكره؛

لحديث عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أتوضّأ أنا ورسول اللّه صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، وقد أصابت منه الهرّة قبل ذلك([19])، قالت: وقد رأيت رسول اللّه صلى الله عليه وسلم يتوضّأ بفضل الهرّة([20]).

 

([1]) لسان العرب، ابن منظور، مادة: (سأر).

([2]) أخرجه الترمذي (5/507 ط الحلبي) من حديث ابن عباس، وقال: هذا حديث حسن.

([3]) رَدُّ المحتار على الدُّر المختار (حاشية ابن عابدين) 1/148، والمجموع النووي 1/172، والمغني، ابن قدامة 1/46، وكشاف القناع عن متن الإقناع، البهوتي 1/195.

([4]) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، الكاساني 1/63 - 64، ورَدُّ المحتار على الدُّر المختار (حاشية ابن عابدين) 1/148، والاختيار لتعليل المختار 1/18، والفتاوى الهندية 1/23، والمجموع النووي 1/172، ومغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، الشربيني الخطيب 1/24، وروضة الطالبين، النووي 1/33، والمغني، ابن قدامة 1/46، وكشاف القناع عن متن الإقناع، البهوتي 1/195.

([5]) أخرجه البخاري (285)، ومسلم (1/282 ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.

([6]) أخرجه مسلم (1/245 - 246 ط الحلبي).

([7]) أخرجه البخاري (2352)، ومسلم (3/1603 ط الحلبي) من حديث أنس بن مالك.

([8]) أخرجه مسلم (1/245 - 246 ط الحلبي).

([9]) أخرجه مسلم (1/234 ط الحلبي) من حديث أبي هريرة.

([10]) أخرجه مسلم (1/245 - 246 ط الحلبي).

([11]) أخرجه الترمذي (1/151 ط الحلبي) والبيهقي في السنن الكبرى (1/247 ط دائرة المعارف العثمانية) من حديث أبي هريرة، وصوب البيهقي وقف الشطر الذي فيه ذكر الهرة.

([12]) المجموع النووي 1/172، 2/589، ومغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، الشربيني الخطيب 1/24، وروضة الطالبين، النووي 1/33.

([13]) أخرجه الترمذي (1/154 ط الحلبي) وقال: حديث حسن صحيح.

([14]) أخرجه الدارقطني في السنن (1/63 ط دار المحاسن) وضعف أحد رواته.

([15]) أخرجه الترمذي (4/434 ط الحلبي) وقال: حديث حسن صحيح.

([16]) أي: ما بقي.

([17]) أخرجه ابن ماجه (1/73 ط الحلبي) وضعفه البوصيري في مصباح الزجاجة (1/130، ط دار الجنان).

([18]) أخرجه البيهقي في السنن الكبرى (1226).

([19]) أخرجه الدارقطني في السنن (1/69 ط دار المحاسن) وضعف شمس الحق العظيم أبادي أحد رواته كما في التعليق عليه.

([20]) أخرجه الدارقطني في السنن (1/70 ط دار المحاسن) وأعله بالوقف.

عدد القراء : 652