آداب الاستنجاء
042 الدرس الثاني والأربعون 21 7 2019
آداب الاستنجاء:
1 ـ الاستنجاء باليد اليسرى:
عن أبي قتادة قال: قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: "إِذَا بَال أَحَدُكُمْ فَلاَ يَمَسَّ ذَكَرَهُ بِيَمِينِهِ، وَإِذَا أَتَى الْخَلاَءَ فَلاَ يَتَمَسَّحْ بِيَمِينِهِ"([1]).
فقد نهى الرّسول صلى الله عليه وسلم عن الاستنجاء باليمين، وحَمَل الفقهاء هذا النّهي على الكراهة، وهي كراهة تحريمٍ عند الحنفيّة.
وكلّ هذا في غير حالة الضّرورة أو الحاجة، للقاعدة المعروفة: الضّرورات تبيح المحظورات([2]).
2 ـ الاستتار عند الاستنجاء:
الاستنجاء يقتضي كشف العورة، وكشفها أمام النّاس محرّمٌ في الاستنجاء وغيره، فلا يُرتَكب المُحَرَّم لإقامة سنّة الاستنجاء، ويحتال لإزالة النّجاسة من غير كشفٍ للعورة عند مَن يراه([3]).
3 ـ الانتقال عن موضع التّخلّي:
إذا قضى حاجته فلا يستنجي حيث قضى حاجته، إذا كان استنجاؤه بالماء، بل ينتقل عنه، لئلاّ يعود الرّشاش إليه فينجّسه. واستثنوا الأخلية (المراحيض) المعدّة لذلك، فلا ينتقل فيها([4]).
4 ـ الانتضاح وقطع الوسوسة:
ذكر الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة: أنّه إذا فرغ من الاستنجاء بالماء استُحِبَّ له أن ينضح فرجه، أو سراويله بشيءٍ من الماء؛ قطعاً للوسواس، حتّى إذا شكّ حمل البلل على ذلك النّضح، ما لم يتيقّن خلافه([5]).
5 ـ ألا يحمل مكتوباً ذُكِر اسمُ الله عليه، أو كلُ اسمٍ معظم؛ كالملائكة، والعزيز، والكريم، ومحمد، وأحمد؛ لما روى أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء وضع خاتمه([6])، وكان فيه: محمد رسول الله.
فإن احتفظ به، واحترز عليه من السقوط فلا بأس.
6 ـ أن يلبس نعليه، ويستر رأسه، ويأخذ أحجار الاستنجاء، أو يهيء ويعد المزيل للنجاسة من ماء ونحوه.
7 ـ أن يدخل الخلاء برجله اليسرى، ويخرج برجله اليمنى؛ لأن كل ما كان من التكريم يبدأ فيه باليمين، وخلافه باليسار، لمناسبة اليمين للمكرَّم، واليسار للمستقذَر.
بعكس المسجد، والمنزل، فإنه يقدم يمناه فيهما.
ويقول عند إرادة الدخول: (باسم الله، اللهم إني أعوذ بك من الخُبُث والخبائث)؛ اتباعاً للسنة([7])، أي أتحصن من الشيطان، وأعتصم بك يا الله من ذكور الشياطين، وإناثهم.
ويقول عند خروجه: (غفرانَك، الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني) اتباعاً للسنة([8]).
8 ـ يعتمد في حال جلوسه على رجله اليسرى، لأنه أسهل لخروج الخارج، فعن سراقة بن مالك، قال: أَمَرَنَا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتوكأ على اليسرى، وأن ننصب اليمنى([9]).
ويوسع فيما بين رجليه، ولا يتكلم إلا لضرورة، ولا يطيل المقام أكثر من قدر الحاجة؛ لأن ذلك يضره، بظهور الباسور أو إدماء الكبد ونحوه.
9 ـ يستحب ألا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض؛ لأن ذلك أسترَ له، ولما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان إذا أراد الحاجة، لا يرفع ثوبه حتى يدنو من الأرض([10]).
10 ـ يستحب أن يبول قاعداً؛ لئلا يترشش عليه، ويكره البول قائماً إلا لعذر.
قال ابن مسعود: من الجفاء أن تبول وأنت قائم([11]).
وقالت عائشة: من حدثكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يبول قائماً، فلا تصدقوه، ما كان يبول إلا قاعداً([12]).
ورُوِيَت الرخصة في التبول قائماً عن جماعة من الصحابة؛ كعمر، وعلي، وغيرهما.
11 ـ يستحب أن يبول في مكان رخو غير صلب؛ لئلا يترشش بالبول، ولما روى عن أبي موسى عن النبي صلى الله عليه وسلم: "إِذَا بَالَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرْتَدْ([13]) لِبَوْلِهِ"([14]).
12 ـ لا يبول في مهب الريح؛ لئلا تعود النجاسة إليه، ولا في ماء راكد، ولا في قليل جار، أو في كثير عند الحنفية([15])؛ للنهي عنه([16]).
ولا في المقابر؛ احتراماً لها.
ولا في الطرقات، ومُتَحدَّث الناس؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "اتَّقُوا الْمَلَاعِنَ الثَّلَاثَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَالظِّلِّ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ"([17]).
ولا يبول في شَقٌّ أَوْ ثُقْبٌ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في الجُحر([18]).
ولا يبول تحت شجرة مثمرة في حال كون الثمرة عليها؛ لئلا تسقط الثمرة على البول، فتتنجس به. قال الشافعية: وكذا في غير وقت الثمر؛ صيانة لها عن التلويث عند الوقوع، فتعافها النفس، ولم يحرموه، لأن التنجس غيرُ متيقن.
وأجازه الحنابلة في غير حال الثمر، "وَكَانَ أَحَبَّ مَا اسْتَتَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِحَاجَتِهِ، هَدَفٌ أَوْ حَائِشُ نَخْلٍ"([19]).
13 ـ يكره أن يبول في المغتسل، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي مُسْتَحَمِّهِ، ثُمَّ يَتَوَضَّأُ فِيهِ؛ فَإِنَّ عَامَّةَ الْوَسْوَاسِ مِنْهُ"([20])، وذلك إذا لم يكن ثَمَّة منفَذ ينفذ منه البول والماء.
14 ـ يستحب ألا ينظر إلى السماء، ولا إلى فرجه، ولا إلى ما يخرج منه.
ولا يعبث بيده، ولا يلتفت يميناً ولا شمالاً.
ولا يستاك؛ لأن ذلك كله لا يليق بحاله.
وأن يسبل ثوبه شيئاً فشيئاً، قبل انتصابه.
15 ـ يقول بعد الاستنجاء عقب الخروج من الخلاء:
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْها، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "إِنَّ نُوحًا عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمْ يَقُمْ عَنْ خَلَاءٍ قَطُّ إِلَّا قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذَاقَنِي لَذَّتَهُ، وَأَبْقَى مْنَفَعَتَهُ فِي جَسَدِي، وَأَخْرَجَ عَنِّي أَذَاهُ"([21]).
([1]) فتح الباري 1/254، وصحيح مسلم 1/25 بتحقيق محمد فؤاد عبد الباقي، وسنن أبي داود واللفظ له، ط مطبعة دار السعادة بمصر 1369 هـ، 1/37.
([2]) مجمع الأنهر 1/66، والبحر الرائق شرح كنز الدقائق 1/255، وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير، الدردير 1/105، والمجموع 1/108، ونهاية المحتاج، الرملي 1/137، وكشاف القناع عن متن الإقناع، البهوتي 1/51.
([3]) درر الحكام في شرح غرر الأحكام 1/33، ومراقي الفلاح مع حاشية الطحطاوي ص 27، ورَدُّ المحتار على الدُّر المختار (حاشية ابن عابدين) 1/225.
([4]) نهاية المحتاج، الرملي 1/127، وشرح التحفة 1/122، وكشاف القناع عن متن الإقناع، البهوتي 1/55.
([5]) البحر الرائق شرح كنز الدقائق 1/253، ورَدُّ المحتار على الدُّر المختار (حاشية ابن عابدين) 1/231، ونهاية المحتاج، الرملي 1/137، وكشاف القناع عن متن الإقناع، البهوتي 1/57.
([6]) رواه ابن ماجه وأبو داود وقال: هذا حديث منكر، ورواه النسائي والترمذي وصححه (نيل الأوطار 1/73).
([11]) رواه الترمذي، (12)، 1/17.
([12]) قال الترمذي: هذا أصح شيء في الباب، رواه الخمسة إلا أبا داود (نيل الأوطار 1/88).
([14]) رواه أحمد في مسنده وأبو داود.
([15]) التبول في الماء القليل حرام عند الحنفية، ومكروه تحريماً في الماء الكثير، ومكروه تنزيهاً في الماء الجاري عندهم.
([16]) نص الحديث: "لاَ يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ في الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لاَ يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ" رواه البخاري ومسلم.
([17]) رواه أبو داود بإسناد جيد عن معاذ، والمورد: المياه وطرق الماء والحياض التي يردها الناس للشرب والاستقاء. وروى مسلم وأحمد في مسنده وأبو داود عن أبي هريرة: «اتقوا اللاعنين، قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟ قال: الذي يتخلى في طريق الناس، أو في ظلهم» والملاعن: موضع اللعن، والتخلي: التغوط، والبراز، وقيس عليه البول.
([18]) رواه أبو داود عن عبد الله بن سَرْجس (نيل الأوطار 1/84).
([19]) صحيح مسلم (79 ـ 342)، 1/268. الهدف ما ارتفع من الأرض، وحائش النخل بستان النخل.
([20]) رواه أبو داود وابن ماجه عن عبد الله بن المغفل.
([21]) رواه البيهقي في شعب الإيمان، (4154)، 6/268.
عدد القراء : 757