وجود نص القرآن الكريم في الجوال
085 وجود نص القرآن الكريم في الجوال 2 9 2019
تتمة 1:
مطلب: وجود نص القرآن الكريم في الجوال([1]):
مع تطور التقنية وانتشارها بين الناس، ظهرت الحاجة إلى أحكام شرعية تتسق والوسائل الحديثة، ومنها: الجهاز الذي اصطلح على تسميته بالجوال (وهو المصطلح الأكثر شيوعاً)([2]).
لقد نشأ الجوال صغيراً ضعيفاً ضيق الاستخدامات حيث اقتصر في الغالب عند نشأته على المقصود الأساس منه، وهو إجراء الاتصال اللاسلكي([3])، استقبالاً وإرسالاً، ثم ما لبث أن تطور بسرعة قياسية؛ فأصبحنا نرى منه الأنواع والأصناف الكثيرة ذات الخدمات المتعددة.
ومن الخدمات التي تشتمل عليها الأجهزة الحديثة: إمكانية تخزين نسخة من القرآن الكريم في ذاكرة ذلك الجوال، ومن ثم استخدام هذه النسخة، على اختلافٍ في كيفية التخزين، وآليته، والبرامج التي من خلالها يمكن تشغيل تلك النسخة.
ما يتعلق بوجود القرآن الكريم في الجوال من حيث اشتراط الطهارة لمسّه:
لا يخفى خلاف أهل العلم في اشتراط الطهارة لمس المصحف الشريف.
وليس المقصود هنا عرض الخلاف في هذه المسألة، بل مسألتنا هي ما يتعلق بمس الجوال المشتمل على المصحف، هل تشترط له الطهارة؛ بناءً على قول الجمهور في اشتراط الطهارة لمس المصحف، أم لا تشترط له الطهارة؟
لا يخلو الجوال المشتمل على المصحف من حالين:
الحال الأولى: أن يكون المصحف مغلقاً (أي في غير حالة التشغيل).
الحال الثانية: أن يكون المصحف مفتوحاً (في حالة التشغيل).
فأما الحال الأولى: فإنه لا يعتبر له حكم المصحف؛ لذا فمسّ الجوالِ لا تشترط له الطهارة.
وأما الحال الثانية: وهي حال فتح برنامج المصحف في الجوال (في حال التشغيل) حيث تظهر على شاشة الجوال صورة آيات المصحف.
وهذه المسألة تنبني على مسألتين من مسائل مس المصحف:
المسألة الأولى: مس المصحف من وراء حائل.
المسألة الثانية: مس كتب التفسير.
ووجه كونها تنبني على هاتين المسألتين:
أن المسَّ في الجوال لا يكون غالباً للشاشة مباشرة، وإنما من خلال الجهاز، وهو حائل بين اليد وبين الآيات ذاتها، كالجلد الذي يكون على المصحف.
ولذا؛ فلو كان المس مباشرة للشاشة خرج من الإلحاق بمسألة الحائل، وبقيت المسألة الأخرى.
وأما وجه كون هذه المسألة فرعاً على مسألة مس كتب التفسير؛ فلأن الجوال في هذه الحال يعتبر كأي كتاب مشتمل على القرآن وعلى غيره، ومن أقرب الصور إليه كتب التفسير.
كيفية الإلحاق بناءً على هاتين المسألتين:
أولاً: بناءً على مسألة المس من وراء حائل:
لأهل العلم في مس المصحف من وراء حائل، هل تشترط له الطهارة أم لا؟ ثلاثة أقوال:
القول الأول: اشتراط الطهارة مطلقاً، وبه قال المالكية، وفي رواية عند الحنابلة.
(ويحرم مسُّ جلده، ... وأحرى: طَرَف الورق المكتوب، وما بين الأسطر من البياض، ويحرم مسه ولو بقضيب)([4]).
(لا يحملُ المصحفَ غيرُ متوضئ؛ لا على وسادة، ولا بعُلاَّقة؛ لأن الذي يحمل المصحف على وسادة أراد حملانه، لا حملان ما سواه)([5]).
(قوله: وكذا جلده، أي يحرم مسه، وسكت عن حمله؛ لدخوله في حمل المصحف؛ إذ الكلام في جلده المتصل به. أما المنفصل عنه؛ فيحرم حمله، ومسه، ما دامت نسبته إليه، فإن انقطعت عنه، أو جُعِلَ جلداً لغيره؛ وإن بقيت النسبة فلا حرمة)([6]).
(ويجوز حمله بعُلاَّقته، أو في غلافه، وعنه: لا)([7]).
(وعنه: يحرم)([8]).
القول الثاني عدم اشتراط الطهارة: وهو قول للحنفية، وهو وجه للشافعية، وهو مذهب الحنابلة:
(لا يكره مس الجلد المتصل به، ومس حواشي المصحف، والبياض الذي لا كتابة عليه)([9]).
(لا يحرم إلا مس المكتوب وحده، لا الهامش، ولا ما بين السطور)([10]).
(وكذا جلده المتصل به يحرم مسه على الصحيح. والثاني: يجوز؛ لأنه ليس جزءاً متصلاً حقيقة)([11]).
(ويجوز حمله بعُلاَّقته، أو في غلافه، أو كمه، وتصفحه به، وبعود، ومسه من وراء حائل؛ كحملِه رُقًى وَتَعَاوِيذَ فيها قرآن، ولأن غلافه ليس بمصحف؛ بدليل البيع، وعنه: لا)([12]).
(لا يحرم حمله بعُلاَّقته، ولا في غلافه، أو كمه، أو تصفحه بكمه، أو بعود، أو مسه من وراء حائل على الصحيح من المذهب)([13]).
القول الثالث: التفصيل.
فإن كان الحائل متصلاً؛ كالجلد اشتُرِطت الطهارة، وإن كان منفصلاً؛ كالعُلاَّقة لم تشترط الطهارة لمس العلاقة. وهو مذهب الحنفية:
(ومسه إلا بغلافه.... وغلافه ما يكون منفصلاً عنه، دون ما يكون متصلاً به في الصحيح، وقيل: لا يكره مس الجلد المتصل به، ومس حواشي المصحف، والبياض الذي لا كتابة عليه، والصحيح منعه؛ لأنه تبع للمصحف)([14]).
(المتصل بالمصحف، وقال بعضهم هو الكم، والصحيح أنه الغلاف المنفصل عن المصحف، وهو الذي يجعل فيه المصحف، وقد يكون من الجلد، وقد يكون من الثوب، وهو الخريطة؛ لأن المتصل به تبع له، فكان مسه مساً للقرآن؛ ولهذا لو بِيْعَ المصحف دَخَل المتصل به في البيع، والكمُّ تبع للحامل، فأما المنفصل فليس بتبع حتى لا يدخل في بيع المصحف من غير شرط)([15]).
التفريع على هذا الخلاف:
مس الجوال المشتمل على المصحف (أثناء التشغيل) يعتبر مساً من وراء حائلٍ متصلٍ ما دام لم يمس الشاشة؛ فإن مس الشاشة فهو مس مباشر من غير حائل.
فعلى القول الأول (اشتراط الطهارة مطلقاً) والثالث (التفصيل: فإن كان الحائل متصلاً اشتُرِطت الطهارة، وإن كان منفصلاً لم تشترط الطهارة): تشترط الطهارة لمس الجوال في حال التشغيل.
دون القول الثاني الذي لا يشترط الطهارة لمس الجوال في هذه الحال.
ثانيا: بناءً على مسألة مس كتب التفسير:
لأهل العلم في اشتراط الطهارة لمس كتب التفسير أربعة أقوال:
القول الأول: عدم اشتراط الطهارة: وهو المذهب عن الفقهاء:
(جواز مس التفسير، فهو كسائر الكتب الشرعية)([16]).
(لا بأس بمس كتب التفسير، أي: من غير وضوء)([17]).
(يجوز للمُحْدِثِ مس التفسير)([18]).
(ولا يحرم مسُّ كتب التفسير)([19]).
(وكذا لا يحرم ـ مسّ ـ كتب التفسير على الأصح)([20]).
(ويجوز مس كتب التفسير، والفقهِ، وغيرهِما، والرسائلِ؛ وإن كان فيها آيات من القرآن؛ بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى قيصر كتاباً فيه آية، ولأنها لا يقع عليها اسم مصحف، فلا نثبت لها حرمته)([21]).
القول الثاني اشتراط الطهارة: وهو قول للحنفية:
(ولا مَسَّ كتب التفسير؛ لأنه يصير بمسه ماساً للقرآن)([22]).
القول الثالث: كراهية مس كتب التفسير من غير طهارة: وهو قول عند الحنفية:
(يكره مسُّ كتب التفسير، والفقهِ، والسُّنَنِ؛ لأنها لا تخلو عن آيات القرآن([23]).
(قوله: والتفسير كمصحف؛ ظاهره حرمة المس، ... وفيه نظر، إذ لا نص فيه؛ بخلاف المصحف، فالمناسب التعبير بالكراهة كما عبر غيره...) إلى أن قال: (الأظهر والأحوط القول الثالث: أي كراهته في التفسير دون غيره لظهور الفرق؛ فإن القرآنَ في التفسير أكثرُ منه في غيره، وذِكْرُه فيه مقصود استقلالاً، لا تبعاً، فشَبَهُهُ بالمصحف أقربُ من شَبَهِهِ ببقية الكتب([24]).
القول الرابع: التفصيل بحسب الأكثر: فإن كان الأكثر القرآن اشترطت الطهارة، وإن كان الأكثر غيره لم تُشترط: وهو قول للحنفية، وهو قول للشافعية جعله النووي المذهبَ:
(ولو قيل بهذا التفصيل، بأن يقال: إن كان التفسير أكثر لا يكره، وإن كان القرآن أكثر يكره)([25]). لكان أحسن.
(وقيل: إن كان القرآن أكثر حرم قطعاً)... ثم قال: (مقتضى هذا الكلام أن الأصح أنه لا يحرم إذا كان القرآن أكثر، وهذا منكر؛ بل الصواب القطع بالتحريم؛ لأنه وإن لم يسم مصحفاً ففي معناه)([26]).
التفريع على الخلاف السابق:
مس الجوال المشتمل على المصحف (أثناء التشغيل) ما دمنا ألحقناه بكتب التفسير؛ فإنه يجوز مسُّه بدون طهارة على القول الأول فحسب، ويجوز على القول الرابع بحسب التفصيل المذكور.
بمعنى أن هذا قد يختلف من جوال إلى آخر؛ بحسب كثرة البرامج الأخرى، وقياس الكثرة يكون بحسب الحجم الذي يشغله البرنامج من الذاكرة؛ فإن كان يشغل أكثر من النصف اعتبر الأكثر فاشترطت الطهارة لمسّه، وإن كان أقل من النصف فهو أقل فلا تشترط الطهارة لمسّه.
وأما على القول الثاني حيث تشترط الطهارة لمس كتب التفسير فكذلك تشترط الطهارة هنا.
وأما على القول الثالث حيث الكراهة في مس كتب التفسير، فكذلك هنا.
الترجيح:
كما تقدم فإن مسألتنا مبنية على تلك المسألتين (المس من وراء حائل، ومس كتب التفسير).
والأرجح في هاتين المسألتين هو:
عدم اشتراط الطهارة لمس الحائل؛ ولو كان متصلاً بالمصحف.
وعدم اشتراط الطهارة لمس كتب التفسير.
وذلك لما يأتي:
1) أن الأصل براءة الذمة، وعدم اشتراط الطهارة إلا بدليل، والدليل إنما ورد في مس المصحف، وقد عُلم أن المصحف في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كان عبارة عن الألواح والرقاع التي يكتب فيها القرآن مباشرة، ولو قيل باشتراط الطهارة لكلِ حائلٍ متصل؛ لزم عليه أن تُشْتَرط الطهارة للحوائل المتصل بعضها ببعض. وهذا الأصل يُخرج كتب التفسير عن اشتراط الطهارة؛ لعدم إطلاق المصحف عليها.
2) أن اشتراط الطهارة فيه شيء من المشقة؛ فالمصاحف في المساجد، والمدارس، وغيرها، لا يمكن حملها إذا قلنا باشتراط الطهارة؛ إلا أن يكون حاملها متطهراً، فيعسر على عامل التنظيف في المسجد، والمدرسة، وغيرهما، أن يحمل المصاحف، وأن يمس جلدها؛ للتنظيف، وغير ذلك، كما لا تخفى مثل هذه المشقة في مطابع المصاحف، وفي المكتبات العامة والخاصة، ومستودعات الأوقاف، والمساجد، والمدارس، ونحو ذلك.
وإذا كان الراجح في هاتين المسألتين هو عدم اشتراط الطهارة؛ فكذلك الجوال لا تشترط الطهارة لمسه إذا كان في وضع التشغيل بشرط عدم مس الشاشة ذاتها؛ لأن مسها حينئذٍ مس للمصحف؛ فتشترط له الطهارة.
([1]) ملخصاً من بحث: (تخزين القرآن الكريم في الجوَّال وما يتعلق به من مسائل فقهية)، د. فهد بن عبد الرحمن اليحيى، أستاذ مشارك بقسم الفقه، بكلية الشريعة جامعة القصيم، المملكة العربية السعودية، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، العدد (16) رمضان1431هـ أغسطس2010م، ص 41 وما بعدها.
([2]) مصطلح (جوّال) مصطلح لغوي لا غبار عليه ففي المصباح المنير (1/115): (جَالَ) في البلاد طاف غير مستقر فيها فهو (جَوَّالٌ)، فلكون هذا الجهاز ليس مستقراً كجهاز الاتصالات الذي سبقه (الهاتف الثابت) فمناسب أن يسمى (جوالاً). وتسميه بعض المجتمعات (نقّال) ولعل علة التسمية أنه يُنتقل به من مكان إلى آخر، وإذا كان هذا أصل الاشتقاق فهو غير دقيق لأننا إذا اعتبرنا هذا المعنى فالأولى تسميته منقولاً، ومن الطريف ما ذكرته كتب اللغة أن العرب تطلق على الفرس السريع الخفيف (نَقَّال) كما في لسان العرب، ابن منظور (11/674) وغيره، ولا أدري هل من أطلق على (الجوال) (نقال) قد أخذه منه أم هي محض موافقة؟! إذ لو اعتبرنا ذلك لكان وجيهاً. وثَمَّ تسميات أخرى للجوّال أقل شيوعاً مثل (محمول) وهو مصطلح صحيح إذ هو هاتف محمول تمييزاً له عن الهاتف الذي لا يحمل وهو (الثابت)، ولكن كلمة (محمول) إذا لم تقيد بكلمة (هاتف) فتنصرف عند البعض إلى جهاز الحاسب المحمول. بقيت الإشارة إلى كلمة (موبايل) وهو مصطلح شائع للجوال، ولكنه مصطلح بلفظ ليس عربياً بل هي تهجية لكلمة (mobile) بحروف عربية، وكلمة (mobile) هي اسم الجوال في اللغة الانجليزية، وأصل معناها عندهم (متحرك أو متنقّل). وإنما شاعت هذه اللفظة كغيرها من الألفاظ الدخيلة، وهذا قصور منا وتقصير في حق لغتنا ما دام في اللغة العربية كلمة تغني عنها، ويزيد العتب حين تكون اللفظة العربية أخف وأكثر سلاسة من اللفظة الأجنبية مثل (جوال – موبايل)، (سوق – مول) ولا سيما حينما يكون شيوع المصطلح الأجنبي ليس بأحسن حالاً من شيوع المصطلح الأجنبي. ولعل في هذه الحاشية كفاية عن التقديم بتعريف للجوال كما هي العادة في البحوث بتقديم التعريفات اللغوية، وهذا جميل فيما دعت الحاجة إلى معرفة أصله اللغوي وتعريفه الاصطلاحي ولا سيما حين يكون لتلك التعريفات أثر في البحث، بخلاف الشأن في هذا البحث فالجوال معروف لا نحتاج إلى التوسع والتشقيق في التعريف به لغوياً وتقنياً.
([3]) بعض أهل اللغة ينكر دخول الألف واللام على (لا)، ولكن لعلهم يتغاضون عنه لشيوعه.
([4]) مواهب الجليل شرح مختصر خليل 2/435.
([5]) يُنْظَر: التاج والإكليل لمختصر خليل 1/191.
([6]) يُنْظَر: حاشية قليوبي 1/40، ومغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، الشربيني الخطيب 1/37.
([8]) الإنصاف، المرداوي 1/224.
([9]) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق 1/57.
([11]) مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، الشربيني الخطيب 1/37.
([12]) الفروع، ابن مفلح 1/154.
([13]) الإنصاف، المرداوي 1/224.
([14]) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق 1/57.
([15]) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، الكاساني 1/34.
([16]) يُنْظَر: رَدُّ المحتار على الدُّر المختار (حاشية ابن عابدين) 1/190.
([17]) يُنْظَر: التاج والإكليل لمختصر خليل 1/191.
([18]) يُنْظَر: شرح مختصر خليل، الخرشي 2/279.
([19]) فتح العزيز شرح الوجيز، الرافعي2/24.
([20]) روضة الطالبين، النووي 1/80.
([21]) المغني، ابن قدامة1/169.
([22]) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، الكاساني 1/33.
([23]) البحر الرائق شرح كنز الدقائق 1/212، وشرح فتح القدير، الكمال ابن الهمام 1/169.
([24]) رَدُّ المحتار على الدُّر المختار (حاشية ابن عابدين) 1/190.
([25]) رَدُّ المحتار على الدُّر المختار (حاشية ابن عابدين) 1/190.
([26]) روضة الطالبين، النووي 1/80.
عدد القراء : 951