اغتنام ليلة القدر
المبادرة إلى الخيرات في العشر وليلة القدر
الحمد لله جَعَل الليل والنهار مواقيتَ للأعمال ومقاديرَ للأعمار، أسبَل ذيلَ الليل وجعَلَه للسّكون والاستِتار، وأنارَ مَنار النهار فأضاء عن العمَل والانتشار، أحمده سبحانه على فضله المِدرار ونِعَمه الغِزار، وأشهد أن لا إلهَ إلا الله وحدَه لا شريكَ له شهادةَ صدق وتحقيقٍ ويقين وإِقرار، وأشهد أن سيِّدَنا ونبيَّنا محمَّدًا عبد الله ورسوله المبعوث بالحنيفيَّة السَّمحة فوضَع الأغلالَ والآصار، صلى الله وسلّم وبارَكَ عليه، وعلى آله المكرَّمين الأطهار، وأَصحابِه الأخيار، المهاجرين منهم والأنصار، والتّابعينَ ومَن تبِعَهم بإحسانٍ ما تعاقب الليل والنهار، وسلم تسليما كثيرا.
أمّا بعد: فيا عبادَ الله، من تفكَّر في عواقب الدنيا أخَذ بالحذر، ومن أيقن طولَ الطريق تأهَّب للسفر، وأعجَبُ العجب السرورُ بالغرور والسهر باللهو، يغترّ بالصحة وينسى السّقَم، والعاقِل من يُريهِ مصرَعُ غيره مصرَعَه، ويكشِف له مضجعُ سِواه مضجعَه، ومن قارب الفتنَ بَعُدت عنه السلامةُ، وأعظم العقوبةِ أن لا تحسَّ بالعقوبة، وأشدّ من ذلك السرورُ بالعقوبة عياذًا بالله، كمن يفرح بالمال الحرامِ ويُسَرّ بالتمكّن من الذنوب، يقول ابن الجوزيّ رحمه الله: "وإني تدبَّرتُ في أحوالِ كثيرٍ فرأيتهم في عقوباتٍ لا يحسّون بها، فهذا عالم يغضَب أن رُدَّ عليه خطؤُه، وهذا واعِظٌ متصنِّع في وعظه، وهذا متزهِّدٌ مُراءٍ، وأوّلُ العقوبات الإعراضُ عن الحقّ اشتغالاً بالخلق، ومن خفِيِّ العقوبات سلبُ لذّة المناجاة، وأعظم الخلقِ اغترارًا أن يأتيَ ما يكرهه الله ثم يطلب منه ما يحبّه، وفي الحديث: "والعاجزُ من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني"، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
ألا فاتقوا الله رحمكم الله، وتوبوا إلى ربِّكم وأنيبوا إليه وأسلِموا له، فأيّامكم هذه أيّام فاضلة، بل إنها من أفضلِ أيام العامِ ولياليه، فأَروا الله من أنفسِكم خيرًا، وتحرَّوا ليلةَ القدر فقد كان نبيّكم محمّد يخصّ هذه الأيام بمزيد عملٍ وعبادة، فقد كان إذا دخَل العشر أحيا ليلَه وأيقظَ أهله وشدَّ المئزر، ومن استقَام باطنه استقامَت أمورُه، ومن رأى الأجَلَ وسَيره أدرك حقيقةَ الأمل وغرورَه، ومن كانت الأيام مطاياه سارَت به وإن لم يسِر.
عدد القراء : 742