shikh-img
رسالة الموقع
أول أيام شهر رمضان للعام 1442 هجري، هو يوم الثلاثاء الواقع فث 13/ 4/ 2021 ميلادي. تقبل الله منا و

حكم قراءة القرآن من الجوال في الصلاة

245 قراءة القرآن من الجوال في الصلاة 15 6 1441 9 2 2020

المبحث العاشر: حكم قراءة القرآن من الجوال في الصلاة([1]):

للفقهاء في هذه المسألة أربعة أقوال:

القول الأول: المنع: وتبطل به الصلاة.

وهو قول أبي حنيفة، وهو قول عند الحنابلة،

(وقراءته من مصحف، أي: يفسدها عند أبي حنيفة، وقالا: هي تامة،... وأطلقه فشمل القليل والكثير، وما إذا لم يكن حافظاً، أو حافظاً للقرآن، وقال الرازي: قول أبي حنيفة محمول على مَن لم يحفظ القرآن، ولا يمكنه أن يقرأ إلا من مصحف، فأما الحافظ فلا تفسد صلاته في قولهم جميعاً)([2]).

( وعنه ـ أي: الإمام أحمد ـ فعل ذلك ـ القراءة من المصحف في الصلاة ـ يُبْطِل الفرض، وقيل: والنفل)([3]).

القول الثاني: الكراهة: ولا تبطل به الصلاة.

وهو قول صاحبي أبي حنيفة وهو المذهب عند الحنفية،

(القراءة من المصحف أفضل من القراءة غائباً؛ إلا أنه يكره في الصلاة)([4]). (وقالا: هي تامة) ([5]). (ولو كان يحفظ القرآن وقرأه من مكتوب من غير حمل المصحف، قالوا: لا تفسد صلاته؛ لعدم الأمرين جميعاً)([6]).

القول الثالث: الإباحة في الفرض والنفل.

وهو مذهب الشافعية والحنابلة:

(لو قرأ القرآن من المصحف لم تبطل صلاته سواء كان يحفظه أم لا، بل يجب عليه ذلك، إذا لم يحفظ الفاتحة...، ولو قَلَّب أوراقه أحياناً في صلاته لم تبطل)([7]). (وتتعين الفاتحة، أي قراءتها؛ حفظاً، أو نظراً في مصحف، أو تلقيناً، أو نحو ذلك)([8]).

 (قال أحمد: لا بأس أن يصلي بالناس القيام وهو ينظر في المصحف، قيل له: في الفريضة؟ قال: لا، لم أسمع فيه شيئاً... وحكي عن ابن حامد أن النفل والفرض في الجواز سواء)([9]). (ويجوز له النظر في المصحف، يعني القراءة فيه، وهذا المذهب، وعليه أكثر الأصحاب، وقطع به كثير منهم)([10]).

القول الرابع: الإباحة في النفل دون الفرض:

وهو مذهب المالكية ونصّوا أنه يُكره في الفرض، وهو قول عند الحنابلة:

(قال ابن القاسم: قلت لمالك في الرجل يصلي النافلة يشك في الحرف، وهو يقرأ، وبين يديه مصحف منشور، أينظر في المصحف ليعرف ذلك الحرف؟، فقال: لا ينظر في ذلك الحرف، ولكن يتمم صلاته، ثم ينظر في ذلك الحرف. قال: وقال مالك: لا بأس بقيام الإمام بالناس، في رمضان في المصحف، قال: وقال مالك: لا بأس بأن يؤم الإمام بالناس في المصحف وفي النافلة. قال ابن القاسم: وكَرِهَ ذلك في الفريضة)([11]). (وكره تعمد مصحف فيه؛ أي في المحراب، أي جعله فيه عمداً، ليصلي له؛ أي إلى المصحف، ومفهوم تعمد أنه لو كان موضعه الذي يعلق فيه لم يكره، وهو كذلك)([12]). (وَنَظَرٌ بمصحف في فرض، يعني أنه يكره قراءة المصلي في المصحف في صلاة الفرض،... ويجوز ذلك في النافلة إذا ابتدأ القراءة في المصحف، لا في الأثناء فَكُرِه، وهو معنى قوله: أو أثناء نفل، لا أوله)([13]).

(يكره في الفرض، ولا بأس به في التطوع إذا لم يحفظ؛ فإن كان حافظاً كُرِه)([14]). (وعنه ـ أي: الإمام أحمد ـ يجوز ذلك في النفل. وعنه ـ أي: الإمام أحمد ـ يجوز لغير حافظ فقط. وعنه ـ أي: الإمام أحمد ـ فعل ذلك يُبْطِلُ الفرض، وقيل: والنفل)([15]).

أدلة الإباحة:

1) عَنِ ابْنِ أَبِى مُلَيْكَةَ عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّهَا كَانَ يَؤُمُّهَا غُلاَمُهَا ذَكْوَانُ فِى الْمُصْحَفِ فِى رَمَضَانَ([16]).

2) عن ثابت البناني قال: كان أنس يصلي، وغلامه يمسك المصحف خلفه، فإذا تعايا في آية فتح عليه([17]).

أدلة المنع:

عن إبراهيم ـ النخعي ـ قال: كانوا يكرهون أن يَؤُمَّ الرجلُ وهو يقرأ في المصحف([18]).

ومن رأى بطلان الصلاة، فله علتان:

إحداهما: أن حمل المصحف والنظر فيه وتقليب الأوراق عمل كثير.

الثَّانِية: أنه تَلَقَّنَ من المصحف فصار كما إذا تَلَقَّنَ من غيره([19]).

ومن رأى التفريق بين الفرض والنفل؛ فلأن الأثر ورد في النفل فقط([20]).

الترجيح: بُنيت المسألة على أَثَر ذكوان، ويؤيده أَثَر أنس، ولا يُعارضان بأثر ابن عباس، وإذا جاز حمل المصحف للمتابعة؛ فجوازه للقراءة منه أولى؛ للحاجة إلى القراءة أكثر من المتابعة، ويبقى بعد ذلك النظر في عموم الحكم في كل الصلوات (فريضة أو نفلاً)، أو الاقتصار به على النافلة.

أما من حيث صحة الصلاة فلا يظهر بطلانها بالقراءة من المصحف، حتى ولو كانت فرضاً؛ لأن الصلاة الصحيحة لا يجوز إبطالها إلا بدليل بيّن، وأثر ذكوان كافٍ في منع الإبطال؛ لأن ما ثبت في النفل فالفرض مثله.

ولكن هل يُقال بكراهة ذلك؟. إن القول بالكراهة له وجه، وأقرب منه أن يقال: إنه خلاف الأولى.

 

([1]) ملخصاً من بحث: (تخزين القرآن الكريم في الجوَّال وما يتعلق به من مسائل فقهية)، د. فهد بن عبد الرحمن اليحيى، أستاذ مشارك بقسم الفقه، بكلية الشريعة جامعة القصيم، المملكة العربية السعودية، مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية، العدد (16) رمضان1431هـ أغسطس2010 م، ص 79 وما بعدها.

([2]) البحر الرائق شرح كنز الدقائق، 4/73.

([3]) الإنصاف، المرداوي، 2/109، ويُنْظَر: المبدع شرح المقنع، ابن مفلح، 1/492.

([4]) تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق 2/ 258.

([5]) البحر الرائق شرح كنز الدقائق، 4/73.

([6]) درر الحكام في شرح عرر الأحكام 1/457.

([7]) المجموع (4/95).

([8]) مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، الشربيني الخطيب (1/156)، ويُنْظَر: نهاية المحتاج، الرملي (1/476)، وأسنى المطالب في شرح روض الطالب، الشيخ زكريا الأنصاري (1/149).

([9]) المغني، ابن قدامة(1/648)، ويُنْظَر: الشرح الكبير (1/637)، وفي مسائل أحمد وإسحاق (2/845): قال إسحاق: وأما المصلي وحده وهو ينظر في المصحف أو يقلب الورق أو يقلب له، وكل ما كان من ذلك حين إرادة أن يختم القرآن، أو يؤم قوماً ليسوا ممن يقرؤون، فهو سنة، كان أهل العلم عليه، وقد فعلته عائشة رضي الله عنها، ومن بعدها من التابعين اقتدوا بفعالها، ولم يجئ ضده عن أهل العلم، وإن قلب له الورق كان أفضل، وإن لم يكن له قلب هو لنفسه.

([10]) الإنصاف،المرداوي (2/109).

([11]) المدونة، الإمام مالك (2/56).

([12])حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، الدردير (1/255).

([13]) شرح مختصر خليل، الخرشي (4/339).

([14]) المغني، ابن قدامة، (1/648).

([15]) الإنصاف، المرداوي (2/109)، ويُنْظَر: المبدع شرح المقنع، ابن مفلح 1/492.

([16]) علقه البخاري في صحيحه بصيغة الجزم، قال: بَاب إِمَامَةِ الْعَبْدِ وَالْمَوْلَى وَكَانَتْ عَائِشَةُ يَؤُمُّهَا عَبْدُهَا ذَكْوَانُ مِنْ الْمُصْحَفِ. وقد أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/123) من طريقين، والبيهقي في السنن الكبرى (2/253) واللفظ له، وقد ذكر ابن أبي شيبة في الموضع السابق الإباحة عن الحسن وابن سيرين وعطاء.

([17]) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/123)، وهو أثر حسن أو صحيح رجاله ثقات سوى عيسى بن طهمان، فحديثه لا يقل عن رتبة الحسن، قال في تهذيب الكمال (22/618): قال عبد الله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: شيخ ثقة، وقال حنبل بن إسحاق عن أحمد بن حنبل: ليس به بأس وكذلك قال عباس الدوري وجعفر بن أبي عثمان الطيالسي عن يحيى بن معين وأبو عبد الرحمن النسائي. ثم ذكر رواية أخرى عن يحيى بن معين أنه ثقة، وكذلك قال يعقوب بن سفيان وقال أبو حاتم لا بأس به يشبه حديثه حديث أهل الصدق ما بحديثه بأس، وقال أبو داود لا بأس به أحاديثه مستقيمة وقال مرة أخرى ثقة روى له البخاري والترمذي في الشمائل والنسائي. ولذا قال في تقريب التهذيب (2/439): صدوق.

([18]) أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف (2/124). وقد نقل ابن أبي شيبة في الموضع السابق الكراهة عن مجاهد وسعيد بن المسيب وحماد وقتادة.

([19]) البحر الرائق شرح كنز الدقائق 4/73.

([20]) المغني، ابن قدامة (1/648).

عدد القراء : 636