#كورونا (مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ)
#كورونا (مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ)
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [يُونُسَ: 57].
الموعظة: قَول أو تصرف على طَرِيق الْعلم يُؤَدِّي إِلَى صَلَاح الْعباد.
موعظة تصلح أخلاقكم وأعمالكم.
المواعظ قسمان: كونية، وشرعية؛ فالموعظة هنا كونية مقدرة.
والمواعظ الكونية أشد تأثيراً لأصحاب القلوب القاسية؛ أما المواعظ الشرعية فهي أعظم تأثيراً في قلوب العارفين بالله اللينة قلوبهم؛ لأن انتفاع المؤمن بالشرائع أعظم من انتفاعه بالمقدورات.
هذه الموعظة تحذركم من المعاصي ومفاسدها وتبين لكم آثارها {قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ}
موعظة من الله، وهل هناك أبلغ من الموعظة الربانية؟ وأيسر منها؟
وأكثر منها نفاذا إلى القلب والضمير؟..
إن مواعظ البشر مهما سمت فى البلاغة والتأثير، عاجزة عن أن تقارب الموعظة القرآنية أو تدانيها، ولو أقبل الدعاة والوعاظ على الموعظة القرآنية، وخاطبوا الناس بها، لتَغَلْغَلَ الكلام فى قلوبهم، وتأثرت به أعمالهم، وصلحت به حياتهم.
والقلب الذي لا تنفعه الموعظة القرآنية هو قلب ميت لا ينفعه شيء آخر.
والموعظة القرآنية تولد الشفاء للصدور، والقضاء على ما في هذه الصدور من أمراض وأدناس وأرجاس، ليعود لها نورها، وتعمل فيها فطرتها المؤمنة التى فطر الله الناس عليها.
والقرآن قادر بإذن الله على أن يشفي الصدور والقلوب من مختلف أمراضها المادية والنفسية، أمراض الشبهات والشهوات، وأمراض الهوى والانحراف، وأمراض الشك والشرك والنفاق، وأمراض القلوب والنفوس والجوارح والحواس، وأمراض السياسة والاقتصاد والأخلاق والاجتماع والحياة والحضارة.
بهذا المفهوم الموسع الشامل يجب أن ننظر للشفاء القرآني، وأن نتناوله بهذه السعة والإحاطة، لا أن نقصره على آلام الجسد فحسب، وصدق الله القائل: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ ما هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} [الإسراء: 82].
القرآن العظيم أعظم ما توعظ به القلوب كما قال الله تعالى {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} فلا واعظ أعظم من القرآن الكريم.
ومما يلفت النظر فى الآية أنها جعلت الموعظة القرآنية والشفاء القرآني للناس جميعاً، بينما خصصت الهدى والرحمة بالمؤمنين.
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ} أَيْ قَدْ جَاءَكُمْ كِتَابٌ جَامِعٌ لِكُلِّ مَا تَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ مِنْ مَوْعِظَةٍ حَسَنَةٍ لِإِصْلَاحِ أَخْلَاقِكُمْ وَأَعْمَالِكُمُ الظَّاهِرَةِ، وَحِكْمَةٌ بَالِغَةٌ لِإِصْلَاحِ خَفَايَا أَنْفُسِكُمْ وَشِفَاءِ أَمْرَاضِهَا الْبَاطِنَةِ، وَهِدَايَةٌ وَاضِحَةٌ لِلصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الْمُوَصِّلِ إِلَى سَعَادَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَرَحْمَةٌ خَاصَّةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ هِيَ شَجْنَةٌ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّ الْعَالَمِينَ، الْعَامَّةِ لِلْخَلْقِ أَجْمَعِينَ، يَتَرَاحَمُونَ بِهَا فِيمَا بَيْنَهُمْ، فَتَكْمُلُ بِهَا رَحْمَتُهُ تَعَالَى لَهُمْ، وَرَحْمَتُهُ لِلْعَالِمِينَ بِرَسُولِهِ إِلَيْهِمْ وَبِهِمْ.
{قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَة مِنْ رَبّكُمْ} كِتَاب فِيهِ مَا لَكُمْ وَمَا عَلَيْكُمْ وَهُوَ الْقُرْآن.
دائما ما ينبه القرآن الكريم إلى الأخذ بمبدأ الوقاية من المرض قبل نزول العلة بالنفس، فيستحكم الداء ويستعصي الدواء.
ومن أهم هذه الوسائل الواقية اللجوء إلى الله تعالى والاستعانة به والإنابة إليه وحسن التوكل عليه، فقد كان من دعائه صلى الله عليه وسلم: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " دَعَوَاتُ الْمَكْرُوبِ: اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، لَا إِلَهَ أَلَا أَنْتَ " [الأدب المفرد، البخاري، ص: 244]
كما كان صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من شرور النفس في قوله: الدعاء للطبراني (ص: 290)
933 - عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا خُطْبَةَ الْحَاجَةِ فَيَقُولُ: «إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ»
قَالَ أَبُو عُبَيْدَةَ: وَقَدْ سَمِعْتُ مِنَ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَصِلَ خُطْبَتَكَ بِآيٍ مِنَ الْقُرْآنِ فَتَقُولُ {اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 102] {اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ} [النساء: 1] الْآيَةَ {اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [الأحزاب: 70] الْآيَةَ أَمَّا بَعْدُ، فَتَذْكُرُ حَاجَتَكَ "
بذكر الله وحده تطمئن القلوب وتسكن النفوس، فتعرف النفوس أنه لا ملجأ لها إلا إليه، ولا عون لها إلا به.
ينبغي أن تعلم أن المجتمع كله في حاجة ضرورية إلى الوحي ليقوده إلى التعرف على غاياته الكبرى ومقاصده السامية التي تتمثل في علاقة الإنسان بخالقه، علاقة المخلوق بالخالق.
يقول محمود الورّاق:
إلى الله كلّ الأمر في كلّ خلقه... وليس إلى المخلوق شيء من الأمر
كتاب الله شفاء لما في النفوس والأرواح من الأمراض الباطنة، وشفاء لما في العقول والأفكار من الشكوك الكامنة، فهو الترياق المجرب في الخلوات والجلوات، وهو الإكسير الذي لا يماثله إكسير لعلاج جميع الأزمات.
فَالْقُرْآنُ هُوَ الشِّفَاءُ التَّامُّ مِنْ جَمِيعِ الْأَدْوَاءِ الْقَلْبِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ، وَأَدْوَاءِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وَإِذَا أَحْسَنَ الْعَلِيلُ التَّدَاوِيَ بِهِ، وَوَضَعَهُ عَلَى دَائِهِ بِصِدْقٍ وَإِيمَانٍ وَقَبُولٍ تَامٍّ وَاعْتِقَادٍ جَازِمٍ وَاسْتِيفَاءِ شُرُوطِهِ: لَمْ يُقَاوِمِ الدَّاءُ أَبَدًا.
وَكَيْفَ تُقَاوِمُ الْأَدْوَاءُ كَلَامَ رَبِّ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، الَّذِي لَوْ نَزَلَ عَلَى الْجِبَالِ لَصَدَّعَهَا، أَوْ عَلَى الْأَرْضِ لَقَطَّعَهَا؟! فَمَا مِنْ مَرَضٍ [مِنْ أَمْرَاضِ] الْقُلُوبِ وَالْأَبْدَانِ إِلَّا وَفِي الْقُرْآنِ سَبِيلُ الدِّلَالَةِ عَلَى دَوَائِهِ وَسَبَبِهِ وَالْحَمْيَةِ مِنْهُ، لِمَنْ رَزَقَهُ اللَّهُ فَهْمًا فِي كِتَابِهِ.
شفاء نفسي إيماني روحاني يتحول إلى مادي.
قراءة القرآن، كما أنها شفاء لأمراض القلوب المعنوية، فهي شفاء أيضًا لأمراض الأجسام الحسية والنفسية.
تدبر وصف الله للقرآن بأنه شفاء ولم يصفه بأنه دواء؛ لأن الشفاء هو ثمرة الدواء والهدف منه، أما الدواء فقد يفيد وقد يضر؛ فكان وصف القرآن بأنه شفاء تأكيد وأي تأكيد لثمرة التداوي به.
عدد القراء : 632