الأسرة في الإسلام
{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً}
المذيعة: د. علاء، العلاقة بين الأسرة والمدرسة، تعززها وزارة التربية من خلال مجالس الأولياء ومن خلال الدروس الخاصة في التوجيه الاجتماعي، كيف نستفيد ونعمق العلاقة بين الأسرة والمدرسة في جميع القضايا التي تحدثت عنها؟
الجواب: لا شك بأن المؤسسات التربوية يجب أن تكتنفها مرحلة التكامل والتناغم والانسجام دون انقطاع ودون تناقض ودون تعارك، فالمؤسسات التربوية المؤثرة في حياة الإنسان، (البيت، المدرسة، المسجد، والإعلام)، هذه المؤسسات الأربعة إن حسن استخدامها لها الأثر الإيجابي، وإن أسيئ الاستخدام كان لها الأثر السلبي، فانسجام هذه المؤسسات الأربعة (البيت والمدرسة والمسجد، ويعني الكنيسة معه، ووسائل الإعلام)، عندما تتكامل هذه المؤسسات يكون الإنسان ناضجاً، ويكون قادراً على التفاعل مع الحياة، بعيداً عن التشنجات الشخصية والنفسية، وبعيداً عن التعصب والفكر المحجور، والانفتاح على الإنسان في الوطن لسعادة الإنسان، فالوطن عندما يكتمل بأبنائه تربية في المدرسة، وعندما يكتمل بأبنائه تربية في الأسرة؛ يتحقق للإنسان هذا الاستقرار النفسي والهدوء الشخصي والطمأنينة القلبية، عند ذلك يكون متفاعلاً مع الحياة أكثر فأكثر.
المذيعة: د. نلاحظ أيضاً منظمات مثل منظمة الطلائع، منظمة الشبيبة، منظمة الطلبة، تقوم بهذا الدور التربوي المهم جداً في تعزيز هذه القيم التي ركز عليها الإسلام، فمكارم الأخلاق والقيم والمحبة والتعاون وكل هذه الأمور تركز عليها المنظمات ذات العلاقة.
الجواب: لا شك بأن البناء الأحادي الجانب، والفكر الواحد إذا بني عليه الإنسان، فإنه يدمره ويفسده بدل أن يصلحه؛ لذلك تأتي مثل هذه المؤسسات التي ترعى شؤون الشباب في مكتمل عمرهم في مرحلة المراهقة، في مرحلة الحياة الجامعية، لتقرب فيما بينهم المسافات، لتقول بأن ما نتعلمه في البيت لا يتعارض مع ما هو موجود في المجتمع، وما هو موجود في المجتمع يكمل ما هو في البيت في إطار أخلاقيات المسجد، في إطار تعزيز القيم السماوية، كما قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنما بعثت لأمم مكارم الأخلاق"، فالأخلاق الحميدة نعززها ونؤكدها، وبعض التصرفات السيئة نبعدها عن طريقنا؛ ليبقى الإنسان في حياته حراً سعيداً متألقاً في عطائه، محباً لأبناء مجتمعه، سواء كان في الطريق أو في البيت أو في العمل، لأن الغاية الإنسان في المطلق وليس شخص معين، فالإنسان في المطلق هو غاية الحياة وهو منطلق الحياة، هذه المقولة التي سمعناها من السيد الرئيس حافظ الأسد الذي كان يتحدث عن المعلم، أن المعلمون هم بناة الأجيال، وأن الغاية هي خدمة الإنسان.
المذيعة: طبعاً الرئيس بشار الأسد أعطى هذه القيم بكل المعاني ورسخها من خلال الإصلاحات، ومن خلال الانجازات التي تمت في بلدنا الحبيب.
الجواب: لا شك بأن السيد الرئيس بشار الأسد له رؤية واضحة إنسانية متألقة يستنير من خلال وحي السماء ويعطي عطاء نهج الأنبياء، يقدم الإصلاحات تلو الإصلاحات من أجل أن يبقى الإنسان حراً كريماً شريفاً، وأن يبقى الوطن منيعاً حصيناً عزيزاً مكرماً.
المذيعة: ممكن أن نتكلم عن وضع المرأة، على الرجل سواء الزوج أو الأخ أو الأب أن يحترم المرأة كما احترمها الإنسان، مثلاً أن لا يستخدم الطلاق التعسفي ضد زوجته بعد فترة زمنية من الزواج، وأحياناً وجود عنف في بعض الأوساط سواء العنف النفسي أو العنف الجسدي تجاه المرأة، فالإسلام حرم هذه القضايا وأكد على الرحمة والمودة والمحبة والوئام، أكد على المحبة للزوجة والأولاد، هذه المعاني يجب أن نرسخها، فما رأيكم؟
الجواب: لا شك بأن الحياة عندما تتكامل في معناها على مبدأ الشراكة والمساواة والعدالة والإنصاف، فإن الحياة تستقر، وأما إذا كانت لمصلحة جهة ضد أخرى، فإن هذه الحياة تكون جحيماً، والحياة الزوجية بينها القرآن بقوله: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا}، وليس لتسكنوا معها، لتسكنوا إليها: فهي المحضن وهي المستقر، {وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21]، فالسكن غاية، والمودة والرحمة طريق لهذا السكن، وعكس المودة والرحمة، العنف والتجريح والقسوة، فهذه تتلافى مع مقصد الحياة الزوجية، فعندما يدرك المؤمن علاقته بالقرآن كيف تتطور علاقته مع أخيه الإنسان، أي الزوج والزوجة يدركان أهمية هذه العلاقة، سنجد بأن الحياة تصبح أكثر سعادة وأكثر طمأنينة وينتفي عند ذلك الطلاق التعسفي والعنف الجسدي أو اللفظي أو النفسي، فأنواع العنف المتعددة التي تمارس ببعض البيوت لا تمت إلى الدين بصلة ولا تمت إلى الإسلام بصلة، ولا علاقة للقرآن ولا لأحاديث النبي عليه الصلاة والسلام، فكانت التوجيهات القرآنية: {هُنَّ لِبَاسٌ لَّكُمْ وَأَنتُمْ لِبَاسٌ لَّهُنَّ} [البقرة: 187]، التوجيهات النبوية: "النساء شقائق الرجال"، وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما أكرمهن إلا كريم وما أهانهن إلا لئيم"، فكلما كانت العلاقة والصلة بين الزوجين قائمة على أساس الإسلام القرآني، وعلى أساس الإسلام النبوي؛؛ كانت الحياة كريمة سعيدة، وكلما ابتعد الإنسان عن فهم هذه العلاقة القرآنية والنبوية، فإنه يبتعد ويظن أن الحياة إنما هي لقاء جسدي ولذة عابرة، وشهوة يمكن أن تطفئ في أي علاقة، وهنا تنتقل الحياة من إنسانية الرحمة إلى حيوانية ضيقة، فالإنسان مكرم بعقله، مكرم بعلاقته بوحي السماء الذي يستمد منه الأنوار، التي تفيض من قلبه على جوارحه، فيتعامل مع زوجته، مع أولاده، والعكس أيضاً تتعامل الزوجة مع زوجها بالصفاء والعطاء والنقاء، وليس بالإيذاء أو التجريح.
المذيعة: د. أحياناً ممكن أن تستخدم ألفاظ غير مهذبة في حياة الأسرة، والأطفال يكررونها لأنهم يعتبرون الأب والأم هم النموذج الأمثل، ويتعلمون في المدرسة التهذيب، فيكون الطفل في حالة من التناقض.
الجواب: نعود إلى قضية التكامل بين المؤسسات ونقول: كلما أدركنا أهمية التهذيب وأهمية التربية، وأهمية الإحسان، وأهمية الرحمة فيما بين الشرائح المختلفة بين الآباء والأبناء، بين الأخوة والأخوات، عندما ندرك هذه العلاقة الأخوية، وهذا الانسجام الطبيعي في العلاقات الإنسانية الأسرية، لا نجد هذا التناقض.
في حال بعدنا عن منهج القرآن، وفي حال تجنبنا ما جاء به الإسلام، سنجد بعض التناقضات التي يجد فيها الطفل حال من التناقض العجيب، بين ما يسمعه من التهذيب في المدرسة والمجتمع، وبين ما يسمعه من كلمات جارحة وقاسية في البيت، وأيضاً العكس قد يكون موجوداً، فيكون في بيته مهذباً ثم يخرج إلى الطريق يسمع كلمات نابية، فالمسألة تحتاج كما قال الله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً} [النور: 31]، فلا يكمل البنيان إذا كنت أنا أبني في جهة، والآخر يهدم، فما دام الهدف واحداً فلا بد أن نعمل جميعاً، وهذا الهدف، ألا وهو خدمة الإنسان وبناء الوطن.
المذيعة: د. علاء، ننتقل إلى الجانب الاقتصادي في حياة الأسرة في رمضان، نرى عادات في رمضان كالإسراف في أنواع الطعام، مما يؤدي إلى شرخ في ميزانية الأسرة، فكيف يمكن أن نعمل توازن ما بين الدخل وبين الإنفاق بالنسبة للأسرة، وأن لا نبالغ في الموائد والعزائم؟
الجواب: أقول: إن العلاقة بين العيد ورمضان، علاقة أرادها الله عزَّ وجل أن تكون ما ندخره من ثمن الوجبة الثالثة في رمضان ننفقه في إفراح أبناءنا في العيد.
أكرر تأكيداً أننا في كل أيام السنة نأكل ثلاث وجبات، وفي رمضان نأكل وجبتين وكأن الإشارة اللطيفة الخفية، أن ثمن الوجبة الثالثة يجب أن يدخر تعويداً اقتصادياً إدخاراً اقتصادياً، إما لاستثمار، وإما لاستهلاك مؤجل.
إذا تحدثنا عن الاستهلاك المؤجل فإن هذا الادخار لثلث الدخل في رمضان، ثمن الوجبات التي لم نأكلها في رمضان، فإن هذا الادخار سيمنحنا خيراً في عطائنا لأبنائنا في أيام العيد.
المذيعة: هذا جانب، والجانب الآخر في شهر رمضان يكون الصدقات والزكاة، كل هذه الأمور تعني اللحمة الاجتماعية والمحبة والوئام بين الناس، كيف نستطيع أن ننفذ هذا ضمن استطاعة الإنسان؟
الجواب: يقول الله تعالى :{لِيُنفِقْ ذُو سَعَةٍ مِّن سَعَتِهِ وَمَن قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ فَلْيُنفِقْ مِمَّا آتَاهُ اللَّهُ} [الطلاق: 7]، وجاء في الحديث: "درهم سبق ألف دينار" ليرة تسبق ملايين الدولارات، بالنسبة والتناسب يكون الأجر وليس بعدد المدفوعات، فمن دفع ليرة من ليرتين فقد دفع النصف، ومن دفع عشرة آلاف دولار وهو يملك مئة ألف دولار، فقد دفع 10%، وبالتالي درهم سبق ألف دينار.
إمكاناتي المحدودة بما أستطيع إنفاقه وما أستطيع عطاءه، كلما كان من حولي سعيداً بعطائي؛ كلما تكاملت الحياة وكان الخير أكثر انتشاراً بين أفراد المجتمع.
المذيعة: في رمضان يكون السهرات والزيارات بين الأهالي والأقارب والأصدقاء، أليس رمضان فرصة لحل كثير من الخلافات بين الأقارب، بين الأصدقاء، بين الجيران؛ ليكون رمضان فرصة لترسيخ هذه المحبة والتسامح والتآخي في رمضان وحتى بعد رمضان.
الجواب: سمي الإنسان إنساناً لكثرة نسيانه، فيأتي شهر رمضان ليذكره بالخيرات.
تذكير رمضان بالخيرات، صلة الأرحام.
تذكير رمضان بالخيرات، إطعاماً للجوعاء.
تذكير رمضان بالخيرات، مواساة للمرضى.
تذكير رمضان بالخيرات، في كل عمل نبغي به وجه الله سبحانه وتعالى.
فما رمضان إلا دورة تثقيفية تعليمية؛ لنستمر بهذا الخير عبر الشهور، فرب رمضان هو رب الشهور كلها، ومن الخطأ للإنسان عن أن يتخلى عن مكارم الأخلاق، ويأتي فقط في رمضان فيفعل كل الخير، فإذا انتهى رمضان توقف عن كل الخير.
علامة قبول رمضان أن يستمر الإنسان بالخير الذي كان يفعله في رمضان، ونسأل الله عزَّ وجل أن يوفقنا وأن يكرمنا بأن نعمل في كل سنة ما نعمله في رمضان؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال:"لو علمت أمتي ما في رمضان، –من الخير-، لتمنت أن تكون السنة كلها رمضان".
المذيعة: باعتبارك عضو مجلس إدارة الهيئة السورية لشؤون الأسرة، فإن تماذج الخطاب الديني مع العمل الاجتماعي مع العمل الأسري مهم جداً هذا الموضوع، فإلى أي مدى يستفيدوا منك في الهيئة السورية لشؤون الأسرة؟
الجواب: لا شك بأن التعاون بين وزارة الأوقاف وإدارة الإفتاء العام والهيئة السورية لشؤون الأسرة، هو تعامل تكامل وانسجام، والقرار في تشكيل مجلس الإدارة أن يكون أحد الأعضاء خبير في هذا الشأن الديني؛ لتكون العلاقة بين الخطاب الديني والمراد الاجتماعي علاقة ألبنة لخير الوطن وخدمة الإنسان.
المذيعة: شكراً لك د. علاء.
عدد القراء : 1796