#كورونا لا تمنع الماعون ولو في زمن (كورونا) والطاعون
#كورونا لا تمنع الماعون ولو في زمن (كورونا) والطاعون
الْحَمد لله الْحَيّ القيوم، الَّذِي لَا يُحِيط بِصفة جَلَاله، معرفَة عَارِف، الرَّحِيم الْمُنعم الَّذِي إِن يردك بِخَير فَلَيْسَ لفضله راد وَلَا صَارف. والصلاة والسلام على رَسُوله الْمُصْطَفى وعَلى آله وخلفائه الرَّاشِدين من بعده، صلوَات ٌبِعَدَد قطر السَّحَاب مدرارا، وتزداد على ممر الْأَيَّام استمرارا، وتتجدد على توالي الأعوام تلاحقاً وتكراراً.
الماعون كل ما هو عون لأخيك الإنسان
تميز الإسلام بأنه الدين الخالص لله، وأنه دين التواصل والتعاطف والرحمة، وقد جمع الله عز وجل بين عبادته وبين الرحمة والعطف على الأيتام والفقراء والتذكير بحق المسكين والفقير في هذه السورة فقال سبحانه:
في سورة الماعون: {أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ * فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ * وَلا يَحُضُّ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ * فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ * الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ * وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} (الماعون: 1 - 7).
وهذا أسلوب يضع الإنفاق في سبيل الله، وإطعام الفقير المحتاج، موضع العقبة والحاجز الذي لا بد من اقتحامه؛ ليصِلَ الإنسانُ إلى سعادته، إنْ لم يكن بنفسه فبحضّ القادرين عليه، وإرشادهم إليه،
وقد قصّ الله علينا بعد ذلك أنّ المجرمين سيسجِّلون على أنفسهم في الجواب حين يسألون يوم الدين، قال تعالى: {مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ} [المدثر: 24] سيسجلون مع التكذيب بيوم الدين والخَوْض في الباطل إهمالَ حق الفقير والمسكين، قال تعالى حكايةً عنهم: {لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ * وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ * وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ * وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ} [المدثر: 43 – 46].
ويلٌ للمكذّبينَ بيَوْم الدّين، وإنْ صَلَّوْا على التقاليد وحسب العادات الظاهرة، لأنَّهم إذا صَلَّوْا فَهُمْ عن مَعَانِي صلاتِهم سَاهُونَ، إذْ هم بها يُرَاءُونَ، وأَدْنَى المعونات الاجتماعية بين الناس يَمْنَعُونَ.
إن الرياء ضد الإخلاص، وإن منع الماعون ضد الإحسان، قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ وَيَكْتُمُونَ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ}.
أَيْ لَا أَحْسَنُوا عِبَادَةَ رَبِّهِمْ، حيث يراؤوون، وَلَا أَحْسَنُوا المعاملة إِلَى خَلْقِهِ حيث يمنعون الماعون.
عَنْ عَلِيٍّ، فِي قَوْلِهِ: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} قَالَ: «الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ»
وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ من المعن وهو الشيء القليل، وسميت الزكاة ماعوناً؛ لأنه يؤخذ من المال ربع العشر وهو قليل من كثير.
وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ وصفٌ لهم بِقِلَّةِ النفعِ لعبادِ اللَّهِ.
الماعون هو الزكاة التي هي أساس للتعاون الإنساني.
والزكاة في المعنى اللغوي تشمل المال والمنفعة،
وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: «هِيَ الْعَارِيَةُ»
عن ابن مسعود: أن الماعون محقرات المتاع كالفأس والنار والملح.
قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ: {وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ} قَالَ: الْمَعْرُوفُ. وَلِهَذَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: " كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ".
ورد فِي الْخَبَر: أَنه مثل المَاء وَالْملح والفأس وَالْقِدر والمقدحة وَمَا أشبه ذَلِك (الصحن والإبرة والخيط ونحوه).
الماعون: ما يبذله الجيران بعضهم لبعض.
ويدخل في ذم منع الماعون: البخل، والشّحّ بما ينفع الخلق مما هو ممكن ومستطاع.
لا ترق قلوبهم للجياع والمحتاجين، ولا يبالون باليتيم ولا بالمسكين.
ومانع الماعون ينسب إلى لؤم الطبع وسوء الخلق.
وَيَمْنَعُونَ الْماعُونَ أي يمنعون المساعدة عن المستحقّ لها، أو يمنعون ما اعتاد الناس قضاءه وتداوله فيما بينهم، تعاونا وتازرا، ولا يمنعه إلا كلّ شحيح يكره الخير.
«إنّهم يمنعون المعونة والبر والخير عن إخوانهم في البشريّة، يمنعون الماعون عن عباد الله.
ولو انهم كانوا يقيمون الصلاة حقّا لله، ما منعوا العون عن عباده، فهذا هو محك العبادة الصادقة المقبولة عند الله» .
لذلك فإن معيار المؤمن أنه يسعى دائماً لما ينفع الناس ويدفع عنهم الضرر، ففي صحيح مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل.
وقد أخبر سبحانه عن إحسان المتقين إلى الخلق مع إخلاصهم لربهم فجمع لهم بين الإخلاص والإحسان ضد {الذين هم يراءون ويمنعون الماعون} وأكد إخلاصهم في هذا الإحسان بأن مصرفه للسائل والمحروم الذي لا يقصد بإعطائه الجزاء منه ولا الشكور، والمحروم المتعفف الذي لا يسأل، فقال: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ * كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ * وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [الذاريات: 15 - 19].
وقال: {إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ * وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} [المعارج: 19 - 25].
وأختم بالقول: اعلم أن كل ما أنفقته من نفقة واجبة أو مستحبة، مع قريب أو جار أو مسكين أو يتيم أو محتاج أو غير ذلك، فالله تعالى يخلفه عليك، فالإنفاق لا ينقص الرزق، بل يزيده، وقد وعد بالخلف للمنفق الذي يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر بقوله: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} [سبأ: 39].
عدد القراء : 647