لعله آخر رمضان
لعله آخر رمضان!
رمضان... أهلا ومرحبا بالضيف الكريم الذي سرعان ما يمضي.
في رمضان تتضاعف الأجور وتفتح أبواب الجنة وتغلق أبواب النيران فهو شهر خير وبركات...
يحسن بنا أن نستعد لاستقباله خير استقبال... فالمسافر يستعد لسفره، والموظف بالدورات التدريبية يستعد لوظيفته كلما ازدادت أهمية، والشياطين تستعد لهذا الشهر توسوس للناس - قبل أن تصفد فيه - بأنواع الملاهي كالأفلام والألعاب الفارغة،
فما أسعد من استفاد من رمضان من أول يوم ومن أول لحظة...
إن الذي يرجع البصر في بلاد المسلمين، وهي تستقبل شهر رمضان في هذه الأيام، يجد بونًا شاسعًا بين ما نفعله في زماننا من مظاهر استقبال شهر رمضان، وما كان عليه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه رضي الله عنهم،
فالسابقون رحمهم الله كانوا يدعون الله تعالى ستة أشهر حتى يبلغهم رمضان، فإذا بلغوه اجتهدوا في العبادة لله فيه، ودعوا الله سبحانه ستة أشهر أخرى أن يتقبله منهم.
أما أصحاب وسائل الإعلام اليوم من فضائيات وإذاعات؛ فإن معظمهم يستعد لرمضان قبل مجيئه بستة أشهر بحشد كل (فيلم) خليع، وكل (مسلسل) وضيع، وكل غناء ماجن للعرض على المسلمين في أيام وليالي رمضان؛ لأن (رمضان كريم) كما يعلنون!
إذا ذهبت إلى الأسواق والمتاجر والمحلات؛ ستجد الناس يجمعون أصنافًا وألوانًا من الطعام والشراب بكميات كبيرة، وكأنهم مقبلون على حرب ومجاعة، وليس على شهر التقوى والصيام!
فأين هم مما يحدث لإخوانهم المشردين في هذه الأيام؟!
وعلى الرغم من أن معظم حكومات الدول الإسلامية تقلل ساعات العمل الرسمي في رمضان وتؤخر بداية الحضور، إلا أن السواد الأعظم من الموظفين والعاملين ينتابهم كسل وخمول وبلادة ذهن، ويعطلون مصالح البلاد والعباد، وإذا سألتهم، قالوا: إننا صائمون! وكأن الصيام يدعوهم للكسل وترك العمل.
فما عرف السابقون المؤمنون الجِد والنشاط والعزيمة والقوة إلا في رمضان.
فلماذا - أيها الموظفون - تتهمون الصيام بأنه سببُ كسلكم وخمولكم؟!
آهٍ من لوعة ضيف عزيز كريم بين قوم من الساهين الغافلين!
أوَّاه لو كانوا لِحَقِ قدره يقدرون، أو يعرفون!
وإذا أردت أن تبكي، فاذرف الدمع مدرارًا، وأجرِ الحزن أنهارًا، على الإعلانات التي تدعوك عبر وسائل الإعلام المختلفة إلى الاستمتاع بتناول السحور، والتلذذ بمذاق الشيشة – النارجيلة - على أنغام المطرب.. ورقصات الفنانة.. وفرقة.. في الخيمة الرمضانية بـ..
وإذا سرت بعد منتصف الليل في رمضان في أي مدينة إسلامية سترى عجبًا عجابًا! سترى المحلات والأسواق مفتحة الأبواب، وأصوات اللهو والأغاني تأبى إلا أن ترتفع فوق السحاب، والمعاصي عيانًا جهارًا، وانقلب الليل نهارًا!
فأين أين أرباب القيام؟! أين المحافظون على آداب الصيام؟! أين المجتهدون في القيام؟! أين المجتهدون في جنح الظلام؟!
فشهر رمضان مضمار السابقين، وغنيمة الصادقين، وقرة عيون المؤمنين..
وأيامُ وليالي رمضان كالتاج على رأس الزمان، وهي مغنم الخيرات لذوي الإيمان..
فطوبى لعبد تنبه من رقاده، وبالغ في حذاره، وأخذ من زمانه بأيدي بداره..
إن إدراك رمضان من أجلِّ النِّعَم، فكم غيب الموت مِن صاحب، ووارى من حميم ساحب..
وكم اكتظت الأسِرَّة بالمرضى الذين تتفطر قلوبهم وأكبادهم، ويبكون دمًا لا دموعًا حتى يصوموا يومًا واحدًا من أيام رمضان، أو يقوموا ليلة واحدة من لياليه، ولكن.. حيل بينهم وبين ما يشتهون!
لعل كثيرًا من المسلمين في هذا الزمان لم يفهموا حقيقة الصيام، وظنوا أن المقصود منه هو الإمساك عن الطعام والشراب والنكاح فقط! أمسكوا عما أحل الله لهم، لكنهم أفطروا على ما حرم الله عليهم! فأي معنى لصيام هذا الذي يقول عند أذان المغرب: (ذهب الظمأ وابتلت العروق وثبت الأجر إن شاء الله)، ثم يشعل سيجارته!
وأي تقوى لهذا الذي يجمع الحسنات في النهار؛ من صيام وصلاة وصدقة وقراءة للقرآن..، ثم في الليل يصير عبدًا لشهوته، ويعكف على القنوات الفضائية، أو الشبكات العنكبوتية، أو زبونًا في الملاهي الليلية، والتجمعات الغوغائية، والخيام – المسماة زورًا - بالرمضانية؟! وإذا دعي إلى صلاة التراويح والقيام، تعلل بالحمى والأسقام، والبرد والزكام!
فيا مضيع الزمان فيما يُنْقِص الإيمان.. يا مُعْرِضًا عن الأرباح متعرضًا للخسران.. أما لك من توبة؟! أما لك من أوبة؟! أما لك من حوبة؟! {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ} [الحديد: 16]
فقلوب المتقين إلى هذا الشهر تحن، ومن ألم فراقه تئن..
فإلى متى الغفلة؟!
فيا من أدركت رمضان.. هلا ضمنت لنفسك الفوز والغفران؟! أتراك اليوم تفيق قبل أن يرحل شهر القرآن، والعتق من النيران؟! لعله يكون – بالنسبة إليك - آخر رمضان!
يا ذا الذي ما كفاه الذنب في رجب
حتى عصى ربه في شهر شعبان
لقد أظلك شهر الصوم بعدهما
فلا تصيّره أيضًا شهر عصيان
فيا باغي الخير أقبل أقبل.. ويا باغي الشر أقصر.. أقصر!
فيا من على نفسه أسرف وأتبعها الهوى، وجانب الجادة في أيامه وغوى.. هاك رمضان قد أقبل فجدد فيه إيمانك، وامح به عصيانك، فهو – والله – نعمة كبيرة، ومنة كريمة، وفرصة وغنيمة..
اللهم بلغنا رمضان أعوامًا عديدة، وأزمنة مديدة.
عدد القراء : 918