shikh-img
رسالة الموقع
أول أيام شهر رمضان للعام 1442 هجري، هو يوم الثلاثاء الواقع فث 13/ 4/ 2021 ميلادي. تقبل الله منا و

الدرس الخامس من الأشباه والنظائر

الدرس الخامس من الأشباه والنظائر

التشريع ما بعد الخلفاء الراشدين إلى نهاية القرن الأول

نشأة أهل الرأي وأهل الحديث:

إن تفرق الصحابة في الأمصار أحدث حركة علمية في كل بلد.

وقد تمايز في هذا التفاوت منهجان:

أحدهما: منهج "أهل الرأي" أو مدرسة الكوفة بالعراق.

والثاني: منهج "أهل الحديث" أو مدرسة المدينة بالحجاز.

مذهب أهل الرأي في العراق:

سار عبد الله بن مسعود رضي الله عنه على طريقة (عمر)، وتأثر بآرائه.

اعتبرت مدرسة ابن مسعود بالعراق نواة لمدرسة الرأي، حتى نسب إليها بعض التابعين فقيل "ربيعة الرأي".

ويرجع انتشار مدرسة الرأي في العراق إلى الأمور الآتية:

1- تأثرهم بالصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، واطلاعهم على أقضية (علي بن أبي طالب) واجتهاداته مدة خلافته بينهم.

2- كان الحديث في العراق قليلا إذا قيس إلى ما لدى أهل الحجاز، موطن الرسول صلى الله عليه وسلم وكبار الصحابة؛ فإن عدد الصحابة الذين وفدوا على العراق كان قليلا بالنسبة إلى الصحابة الذي ظلوا في الحجاز.

3- والعراق متاخم للفرس، واتصل بالحضارة الفارسية اتصالا وثيقا؛ وذلك من شأنه أن يحدث كثيرا من المسائل الجزئية، والمشاكل المتعددة التي تحتاج إلى إعمال الرأي وكثرة القياس،

مميزات مدرسة أهل الرأي:

1- كثرة تفريعهم الفروع لكثرة ما يعرض لهم من الحوادث.

2- قلة روايتهم للحديث.

 

مذهب أهل الحديث في الحجاز:

للمدينة منزلة خاصة باعتبارها دار الهجرة، وعاش فيها الخلفاء الراشدون؛ فأصبحت مهد السنة، ومنبع الحديث، وملتقى الصحابة،

عرف ابن عمر بحرصه الشديد على تتبع آثار الرسول صلى الله عليه وسلم، والاعتزاز به،

وترجع أسباب وقوف أهل الحجاز عند النصوص إلى الأمور الآتية:

1- تأثر مدرستهم بحرصهم على الأحاديث والآثار،

2- ما لديهم من ثروة كبيرة لدى الصحابة من أحاديث وآثار تفي بحاجتهم في الاستدلال، وتغنيهم عن إعمال الرأي.

3- يسر الحياة لدى أهل الحجاز، وقلة مشاكلهم.

4- بعدهم عن مواطن الفتنة، وظل تراث الحديث والأثر محفوظا لديهم.

ومن مميزات هذه المدرسة:

1- كراهيتهم لكثرة السؤال. وفرض المسائل، وتشعب القضايا؛ فالحكم ينبني على قضية واقعية، لا على قضية مفترضة، والنص يدل على الحكم.

2- الاعتداد بالحديث والوقوف عند الآثار.

من مسائل الخلاف في هذا العهد:

1- القراءة خلف الإمام:

2- صفة الجلوس في الصلاة:

3- القضاء باليمين مع الشاهد:

فجمهور أهل الحجاز يرون القضاء بالشاهد واليمين في الأموال؛ لأن هذا قد ثبت عندهم في الحديث، لما رواه مالك أنه بلغه أنه أبا سلمة بن عبد الرحمن، وسليمان بن ياسر سئلا: هل يقضي باليمين مع الشاهد؟ قالا: نعم، وقال الشافعي: أخبرنا مالك، عن جعفر بن محمد، عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين مع الشاهد، وذلك خاص بالأموال.

وجمهور أهل الرأي يذهبون إلى أنه لا يقضي إلا برجلين، أو رجل وامرأتين، ولا يقضي بشاهد ويمين في شيء من الأشياء تمسكا بالقرآن في قوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ} [البقرة: 282].

استئناف الصلاة،

الوضوء من الدم السائل،

الجمع بين الصلاتين للمطر،

أداء الصلاة في أوقات النهي.

 

 

فَصْل:

اعْلَمْ أَنَّ فَنّ الْأَشْبَاه وَالنَّظَائِر فَنّ عَظِيم، بِهِ يُطَّلَع عَلَى حَقَائِق الْفِقْه وَمَدَارِكه، وَمَآخِذه وَأَسْرَاره، وَيُتَمَهَّر فِي فَهْمه وَاسْتِحْضَاره، وَيُقْتَدَر عَلَى الْإِلْحَاق [القياس: إلحاق فرع غير منصوص بأصل شرعي منصوص؛ للعلة الجامعة بين الاثنين] وَالتَّخْرِيج [استخراج الفروع من الأصول، وقد جعل المتأخرون فقه التخريج متعلقاً بتخريج الفروع على كلام الأئمة وقواعدهم في المذهب]، وَمَعْرِفَة أَحْكَام الْمَسَائِل الَّتِي لَيْسَتْ بِمَسْطُورَةٍ، وَالْحَوَادِث وَالْوَقَائِع الَّتِي لَا تَنْقَضِي عَلَى مَمَرّ الزَّمَان، وَلِهَذَا قَالَ بَعْض أَصْحَابنَا: الْفِقْه مَعْرِفَة النَّظَائِر. [المنثور في القواعد الفقهية (1/ 66)

وَلَقَدْ بَلَغَنِي عَنْ الشَّيْخِ قُطْبِ الدِّينِ السَّنْبَاطِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: الْفِقْهُ مَعْرِفَةُ النَّظَائِرِ]

وَقَدْ وَجَدْت لِذَلِكَ أَصْلًا مِنْ كَلَام عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ أَخْبَرَنَا شَيْخنَا الْإِمَام تَقِيُّ الدِّينِ الشُّمُنِّيُّ، أَخْبَرْنَا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ عَبْدِ الْكَرِيمِ، أَخْبَرْنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ يُوسُفَ (ح) وَكَتَبَ إلَيَّ عَالِيًا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ مُقْبِلٍ الْحَلَبِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ الْحِرَّاوِيِّ قَالَ: أَخْبَرَنَا الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّدٍ الدِّمْيَاطِيُّ، أَخْبَرَنَا الْحَافِظُ أَبُو الْحَجَّاجِ بْنُ خَلِيلٍ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْفَتْحِ بْنُ مُحَمَّدٍ، أَخْبَرَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ الْفَضْلِ أَخْبَرَنَا أَبُو طَاهِرٍ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ (ح) قَالَ الدِّمْيَاطِيُّ:

وَأَنْبَأَنَا عَالِيًا أَبُو الْحَسَنِ بْنُ الْمُقَيِّرِ، أَخْبَرَنَا الْمُبَارَكُ بْنُ أَحْمَدَ إجَازَة، أَنْبَأَنَا أَبُو الْحَسَنُ بْنُ الْمُهْتَدِي بِاَللَّهِ قَالَا: أَنْبَأَنَا الْإِمَام أَبُو الْحَسَنِ الدَّارَقُطْنِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو جَعْفَرٍ مُحَمَّدُ بْنُ سُلَيْمَانَ النُّعْمَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ أَبِي خِدَاشٍ، حَدَّثَنَا، عِيسَى بْنُ يُونُسَ، حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي حُمَيْدٍ عَنْ أَبِي الْمَلِيحِ الْهُذَلِيِّ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ: أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ الْقَضَاءَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ وَسُنَّةٌ مُتَّبَعَةٌ فَافْهَمْ إذَا أُدْلِيَ إلَيْكَ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُ تَكَلُّمٌ بِحَقٍّ لَا نَفَاذَ لَهُ، لَا يَمْنَعُكَ قَضَاءٌ قَضَيْتَهُ، رَاجَعْتَ فِيهِ نَفْسَكَ، وَهُدِيتَ فِيهِ لِرُشْدِكَ، أَنْ تُرَاجِعَ الْحَقَّ، فَإِنَّ الْحَقَّ قَدِيمٌ، وَمُرَاجَعَةُ الْحَقِّ خَيْرٌ مِنْ التَّمَادِي فِي الْبَاطِلِ، الْفَهْمَ الْفَهْمَ فِيمَا يَخْتَلِجُ فِي صَدْرِكَ، مِمَّا لَمْ يَبْلُغْكَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، اعْرِفْ الْأَمْثَالَ وَالْأَشْبَاهَ ثُمَّ قِسْ الْأُمُورَ عِنْدَكَ، فَاعْمِدْ إلَى أَحَبِّهَا إلَى اللَّهِ وَأَشْبَهِهَا بِالْحَقِّ، فِيمَا تَرَى".

هَذِهِ قِطْعَة مِنْ كِتَابه، وَهِيَ صَرِيحَة فِي الْأَمْر بِتَتَبُّعِ النَّظَائِر وَحِفْظهَا، لِيُقَاسَ عَلَيْهَا مَا لَيْسَ بِمَنْقُولٍ.

وَفِي قَوْله: " فَاعْمِدْ إلَى أَحَبِّهَا إلَى اللَّهِ وَأَشْبَهِهَا بِالْحَقِّ " إشَارَة إلَى أَنَّ مِنْ النَّظَائِر مَا يُخَالِف نَظَائِره فِي الْحُكْم لِمُدْرَكٍ خَاصٍّ بِهِ وَهُوَ الْفَنّ الْمُسَمَّى بِالْفُرُوقِ [أبدع في هذا الفن شهاب الدين القرافي، في كتاب حوى مئتين وأربع وسبعين فرقاً، وفيه من القواعد الفقهية الكثير، دارت بين فروق بين القواعد الفقهية؛ كالفرق بين خطاب التكليف وخطاب الوضع، أو قاعدتي الفتوى والحكم، وبين الفروع الفقهية؛ كالفرق بين القرض والبيع، والفرق بين الملك والتصرف]، الَّذِي يُذْكَر فِيهِ الْفَرْق بَيْن النَّظَائِر الْمُتَّحِدَة تَصْوِيرًا وَمَعْنًى، الْمُخْتَلِفَة حُكْمًا وَعِلَّة.

وَفِي قَوْله: "فِيمَا تَرَى" إشَارَة إلَى أَنَّ الْمُجْتَهِد إنَّمَا يُكَلَّف بِمَا ظَنَّهُ صَوَابًا، وَلَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يُدْرِك الْحَقّ فِي نَفْس الْأَمْر، وَلَا أَنْ يَصِلَ إلَى الْيَقِين، وَإِلَى أَنَّ الْمُجْتَهِد لَا يُقَلِّد غَيْره.

عدد القراء : 629