مقدمة
الدرس الأول لمجموعات الفتوى
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، نحمده ونستعينه ونستهديه، ونؤمن به، ونتوكل عليه، ونثني عليه ثناء لا يحصى، فهو ولي النعم ودافع النقم، وواهب المنح وكاشف المحن، وواهب العطايا، ومجلي الرزايا.
ونصلي ونسلم على سيدنا ومولانا محمد الصادق الوعد الأمين، المبعوث رحمة للعالمين، هادي البشرية، ومنقذ الإنسانية، من ضلالاتها النفسية، إلى كمالاتها الروحية.
صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه البررة الراشدين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد:
فإن الفقه الإسلامي هو أحد المنطلقات الحضارية للأمة الإسلامية؛ لأنه قوام حياتها، وضابط سلوكها؛ في حسن صلة المؤمنين مع الله عبادة، وجميل السلوك مع خلق الله معاملة.
وإن المذاهب الفقهية علمية في اجتهاداتها، عميقة في تجذرها، معاصرة مع أصالتها، حضارية في سعة أفقها، مرنة في واقعيتها، حيث لا تخرج عن كتاب الله العزيز ولا عن سنة رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، مع سيرها في الحياة تقدماً، وخدمتها للإنسانية تألقاً.
فلكل حكم فقهي دليله الشرعي؛ إما من نص مباشر خاص، أو من مجموعة نصوص تشريعية، أو إدراك لما قامت عليه النصوص ذاتها من مراعاة المصالح العامة، ودرء المفاسد الضارة.
فالفقه هو المادة العملية التي يقاس بها الأفراد في قربهم أو بعدهم من النصوص الشرعية التي جاءت لسعادة الإنسان.
وإنه لما كان الفقه هو الفهم، فإن تعدد الأقوال في المسألة الواحدة أمر صحي، فيه سعة الأفق في المعرفة، ورحمة التطبيق للعباد.
ومما لا شك فيه أن الفقه الإسلامي بحاجة متجددة إلى كتابة حياتية معاصرة فيه، تنظم موضوعاته، وتربط اجتهاداته الحديثة بالمصادر الأصيلة، وتزود طالب العلم بالملكة الفقهية الاجتهادية التي أبدعتها عقول المجتهدين.
ولقد منَّ الله عليَّ بتدريس مادة الفقه الإسلامي المقارن، لما يزيد عن عشرين عاماً، كنت أستفيد كل يوم فيها خبرة في الفقه، عبر حوارات علمية مع طلبتي النجباء، نقلب أوجه الدلالات من النصوص الشرعية، لنتلمس طرق الاستدلال، وأساليب التفكير المنطقي، في التعرف على الحكم الشرعي.
وها أنا ذا أضع بين يدي عموم المؤمنين، إعداداتي للمسائل الفقهية من مصادرها، واختياراتي الفقهية، مع الربط بواقع الناس وحياتهم العملية، على طريقة مَن كَتَب الفقه لزمانه، واستشرف قادم أيامه.
إنه كتاب فقه العبادات المحضة في الشريعة الإسلامية المعتمد على الدليل الصحيح من القرآن والسنة والمعقول، وقد أسميته (فقه العبادات المقارن)، كونه فقهاً مقارناً بين المذاهب الفقهية الأربعة (الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة).
وقد لقي هذا النوع من الدراسة والبيان لفقه المذاهب الأربعة إقبالاً شديداً وحرصاً تاماً على المطالعة والاستفادة، وهو يتفق مع الاتجاه العالمي للدراسة المقارنة، ويسهم في البعد عن العصبية المذهبية.
وهو كتاب يركز على الجوانب العملية، متجنباً المسائل الفَرَضِية البعيدة الحصول، وقد حاولت قدر الإمكان أن يكون الكتاب سهل الأسلوب، مبسط العبارة، فيصبح الفقه الإسلامي قريب المنال باعتماد تنظيم التبويب وحسنه، كي لا يبقى عذر لأحد في محاولة التهرب من تطبيق أحكام الفقه الإسلامي.
وقد فَصَّلت في بيان بعض المسائل المعاصرة، ليبقى الفقه منهج المسلمين في واقع حياتهم، وأكثر معاصرة ومواكبة لحاجاتهم، في معرفة حكم كل جديد أو طارئ، بذكر المستجدات الحديثة المرتبطة بفقه العبادات، والمتمثلة في بيان:
- حكم الأسآر وربطه بالأمراض والوقاية.
- حكم استعمال المستحضرات (أدوات التجميل) وأثرها على الوضوء والغُسْل.
- الإفرازات الطبيعية للمرأة.
- ستر العورة أمام الأبناء.
- حكم قتل الحيوانات بالصعق الكهربائي.
- استعمال النساء دواء؛ لمواصلة الصيام في رمضان.
- وجود نص القرآن الكريم في الجوال.
- حكم قراءة القرآن من الجوال في الصلاة.
- المفطرات في رمضان تبعاً للجمع بين الرأي الفقهي، والاستشارة الطبية العلمية الحديثة.
ونحوها من المسائل المعاصرة، راجياً من الله تعالى أن يحقق به النفع، وأن يكون سبيلاً للأجر وادخار الثواب عند الله تعالى، وهو سبحانه ولي التوفيق، والله أسأل أن يتقبل مني هذا العمل، ويجعله خالصاً لوجهه الكريم، وفي ميزان حسنات والديَّ يوم الدين.
اللهم تقبل منا ما كان صالحاً واصلح منا ما كان فاسداً، وأصلحنا ظاهراً وباطناً يا رب العالمين.
عدد القراء : 707