أدلة القائلين بعدم إثبات الأهلة بالحساب
690 أدلة القائلين بعدم إثبات الأهلة بالحساب 17 9 1442 29 4 2021
الباب الخامس:
كتاب الصيام
تعريف الصوم.
الحكم التكليفي.
فضل الصيام.
أنواع الصيام.
ثبوت الأهلة:
طرق إثبات الهلال:
أولاً: الرؤية بالعين.
ثانياً: إكمال الشهر ثلاثين.
ثالثاً: إثبات الأهلة بالحساب الفلكي:
رأي القائلين بالحساب.
آراء القائلين بعدم إثبات الأهلة بالحساب.
أدلة القائلين بعدم إثبات الأهلة بالحساب:
استدل المانعون بالحديث نفسه الذي استدل المثبتون به ففسروه بغير المراد منه.
أولاً: تفسير الحديث المشتمل على التقدير بما ينقض مفهوم التقدير الذي ذهب إليه القائلون بالحساب.
فسر الأئمة الأجلة قوله صلى الله عليه وسلم: "فَاقْدُرُوا لَهُ"([1]). بتفسيرين:
الأول: حمل التقدير على إتمام الشهر ثلاثين.
الثاني: تفسير بمعنى تضييق عدد أيام الشهر.
التفسير الأول: جاء عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أنه يصبح مفطراً إذا كانت السماء صاحية، وصائماً إذا كانت مغيمة؛ لأنه يتأول قول النبي صلى الله عليه وسلم على أن المراد منه إتمام الشهر ثلاثين([2]).
وإلى هذا المعنى ذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي وجمهور السلف والخلف، فحملوا عبارة: "فَاقْدُرُوا لَهُ"([3]) على تمام العدد ثلاثين يوماً([4]).
والبخاري أتبع حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما برواية أخرى عنه جاء فيها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "الشَّهْرُ تِسْعٌ وَعِشْرُونَ لَيْلَةً، فَلاَ تَصُومُوا حَتَّى تَرَوْهُ، فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ؛ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاَثِينَ"([5]).
وأتبعه في الباب نفسِه بحديث أبي هريرة رضي الله عنه، قال النبي صلى الله عليه وسلم أو قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: "صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ، فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ؛ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاَثِينَ"([6]).
وقال ابن حجر([7]): قصد (البخاري) بذلك بيان المراد من قوله: "فَاقْدُرُوا لَهُ"([8]).
وأيَّد ابن رشد تفسير البخاري وعلله بأن التقدير يكون بمعنى التمام، ودعم رأيه بقوله تعالى: {قَدْ جَعَل اللَّهُ لِكُل شَيْءٍ قَدْرًا} [الطلاق: 3]، أي تماماً([9]).
التفسير الثاني بمعنى تضييق عدد أيام الشهر:
فسر القائلون به: "فَاقْدُرُوا لَهُ"([10])، بمعنى ضيقوا له العدد، وذلك من قوله تعالى: {وَمَنْ قُدِرَ عَلَيْهِ رِزْقُهُ} [الطلاق: 7]، والتضييق له أن يجعل شعبان تسعة وعشرين يوماً([11]).
وممن قال بهذا الرأي مَن يُجَوِّز صومَ يوم الشك إن كانت السماء مغيمة([12]).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إِنَّا أُمَّةٌ أُمِّيَّةٌ؛ لاَ نَكْتُبُ وَلاَ نَحْسِبُ، الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا، يَعْنِي مَرَّةً تِسْعَةً وَعِشْرِينَ، وَمَرَّةً ثَلاَثِينَ"([13]).
بيَّن ابن حجر أن المنفي عنهم الكتابَ والحسابَ هم أغلبُ أهل الإسلام الذين هم بحضرة النبي صلى الله عليه وسلم عند تحديثه بهذا الحديث، أو أن المراد به النبي عليه الصلاة والسلام نقسُه.
ثم قال ابن حجر: المراد بالحساب هنا حساب النجوم وتسييرها، ولو لم يكونوا يعرفون من ذلك إلا النزر اليسير، فعُلِّقَ الحكمُ بالصوم وغيرِه: بالرؤية؛ لدفع الحرج عنهم، في معاناة حساب التسيير، واستمر الحكم في الصوم، ولو حَدَثَ بعدَهم مَن يعرف ذلك، بل ظاهر السياق يُشْعِر بنفي تعليق الحكم بالحساب أصلاً.
ويوضحه قولُه في الحديث: فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثَلاَثِينَ"([14]). ولم يقل فسَلُوا أهل الحساب، والحكمة فيه كون العدد عند الإغماء يستوي فيه المكلفون، فيرتفع الاختلاف والنزاع عنهم([15]).
([1]) أخرجه البخاري (الفتح 4/119)، ومسلم (2/759 ط الحلبي).
([2]) المقدمات على هامش المدونة، ابن رشد، 1/187 - 189.
([3]) أخرجه البخاري (الفتح 4/119)، ومسلم (2/759 ط الحلبي).
([4]) النووي، شرح مسلم على هامش القسطلاني 5/53 ط دار الفكر بيروت.
([5]) أخرجه البخاري (1907)، ومسلم (2/759 ط الحلبي) واللفظ للبخاري.
([6]) أخرجه البخاري (1909)، ومسلم (2/762 ط الحلبي) من حديث أبي هريرة، ولفظ مسلم: "غمي".
([7]) أخرجه البخاري (الفتح 4/119)، ومسلم (2/759 ط الحلبي).
([9]) المقدمات على هامش المدونة، ابن رشد، 1/187.
([11]) المغني، ابن قدامة 3/90، والمجموع شرح المهذب 6/270، وشرح مسلم 3/53.
([12]) المجموع شرح المهذب 6/270، وشرح مسلم 3/53.
([13]) أخرجه البخاري (الفتح 4/126)، ومسلم (2/761 ط الحلبي) من حديث ابن عمر، واللفظ للبخاري.
([14]) أخرجه البخاري (1907)، ومسلم (2/759 ط الحلبي) واللفظ للبخاري.
عدد القراء : 497