shikh-img
رسالة الموقع
أول أيام شهر رمضان للعام 1442 هجري، هو يوم الثلاثاء الواقع فث 13/ 4/ 2021 ميلادي. تقبل الله منا و

الدين في حياتنا

للدين دور فاعل  ومؤثر في حياة الشعوب والأمم على اختلافها في العرق واللون، وتختلف مدى الاستجابة والتفاعل بين الناس الدين بمقدار متانة العقيدة وشمولية التعاليم.

وللمقارنة: فهناك أديان تركز على الجوانب العبادية المحضة فحسب، لدرجة الوصول بالعبادة إلى حالة طقوسية، وصورة شكلية، وأديان تركز على الحياة الروحية للإنسان محلِّقة به في الآفاق الغيبية، دون أن يكون لهذا الدين أي أثر في الحياة الواقعية؛ الاجتماعية والاقتصادية والسياسية للمعتنق له.

ولعل هذا الانفصال بين الروحانية المثالية والحياة اليومية الواقعية هو من أهم العوامل التي جعلت المجتمعات المدنية تَكفُر بالدين الذي لا يمثل في الحياة إلا الطقوس والشعائر، دون الحقائق والغوص في الجواهر.

بخلاف الدين الإسلامي الذي يسعى لتنظيم حياة الإنسان كلها، بمختلف مراحلها، وتنوع اتجاهاتها.

فالإسلام مع الإنسان منذ اختيار النطفة وانتقاء الرجل لزوجته، والزوجة لبعلها، وهو معه في مراحله العمرية المتعاقبة: الجنين، والوليد، والرضيع، والصبي، والغلام، والشاب اليافع، والرجل، والكهل، الشيخ، والعجوز، حتى أثناء وفاته، ويتدخل به بعد موته، وما ذلك إلا لوضع ما يسعده في الدنيا، ويجعله من الفالحين في الآخرة.

كذلك يكون الإسلام مع الإنسان في شؤونه العبادية المحضة المتصلة بالخالق سبحانه وتعالى، ليكون على صلة دائمة ومباشرة به عزَّ وجلَّ.

وكذلك هو معه في حياته الاجتماعية مع أسرته الصغيرة؛ الأبوين، والأخوة، والزوجة، والأولاد، ولا ينسى رعايته له في أسرته الكبرى؛ المجتمع من حوله: الداخلي داخل حيه، وبلدته ودولته، والخارجي مع الأمم والشعوب الأخرى، والتي اصطلح لها: الحياة السياسية.

والإسلام كذلك هو مع الإنسان في تعاملاته الاقتصادية؛ أخذاً وعطاءً، وبيعاً وشراءً؛ يسدد له الطريق، ويجنبه ما يوقع بينه وبين الآخرين الأحقاد والنـزاعات؛ من خلال الضوابط والقواعد المبينة للحلال والحرام.

فالدين الإسلامي إيديولوجية عامة، ودستور متكامل؛ يشمل الحياة العقلية والفكرية، والروحية والنفسية، والثقافية والعلمية، والاجتماعية، والاقتصادية، والسياسية للإنسان، فهو:

  • عقيدة راسخة مؤثرة في السلوك الفردي والجماعي؛ متمثلة في الإيمان بالله الواحد في ألوهيته؛ فلا رب سواه يُعبد، وهو سبحانه الواحد في ربوبيته؛ فلا متصرف في الكون سواه، وهو تعالى الواحد في أسمائه وصفاته، وتكتمل العقيدة للإنسان من خلال إيمانه بالملائكة والكتب السماوية، والرسل والأنبياء، وكذلك الإيمان باليوم الآخر، وبالقضاء والقدر.
  • عبادات محضة؛ تصل الإنسان بربه، وتزيده قدرة على مواصلة الكفاح والنضال في معارك الإيمان مع أعداء الحق في النفس البشرية الداخلية، وفي الصراع مع أعداء الحق في العلاقة مع الآخرين.
  • وأخلاق سامية؛ ترفع المسلم وتسمو به وتشرفه عند الله قبولاً، وعند الناس محبة واحتراماً، كما ترتقي بالمجتمع وتجعله القدوة لغيره، والأنموذج الذي يُحتذى.
  • ونظام تعليمي تربوي؛ متمثل في كون طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة، وأن العلم طريق موصل إلى معرفة الله تعالى، وأن العلم موصل إلى هداية الإنسان لطريق الحق، وأن العلم يرتقي بالإنسان؛ تربية وسلوكاً.
  • ونظام اجتماعي يقوم على العدل والمساواة بين الأفراد جميعاً دون تفرقة على أساس الجنس، أو اللون، أو العِرق، أو المركز الاجتماعي، أو المنصب السياسي، أو المكانة الاقتصادية، ويتأتى هذا العدل من خلال القيم الإيمانية التي تجعل الخضوع لله تعالى دون سواه من المخلوقات؛ إنساناً كان أو آلة أو طبيعة.
  • ونظام اقتصادي قائم على أساس أن المال لله، والملكية المطلقة للخالق، وما البشر إلا مستخلَفون في الأرض؛ وبالتالي لا بد من مراعاة مصادر الكسب المشروعة من قبل المالك الحقيقي وهو الله، كذا مراعاة أوجه الإنفاق والصرف؛ مسترشدين بتعاليم المالك سبحانه وتعالى؛ من أداء الحقوق وفعل الواجبات، وتجنب الزلات والموبقات، مع حسن الاستفادة من كل الأرزاق والثروات الكونية.
  • ونظام سياسي يقوم على الاحتكام لشريعة الله التي كرَّمت الإنسان الفرد، وركَّزت على مبادئ الشورى وتبادل الآراء واستماع النصح، وبنت قيم الإنصاف والعدل في الحكم.
  • ونظام في العلاقات الدولية؛ قائم على عدم العدوان، ورفع الظلم، والتعاون فيما بين البشر على البر والتقوى، والخير والإحسان، ورفض الذل والهوان، وعدم التفريط بالحقوق.

إذاً: فالدين حضارة، ومنهج قويم، وفكر مستقيم، وعقل مستنير، وعلم نافع، وعمل مفيد؛ ينصهر فيه الفرد مع الجماعة دون ذوبان، وتُحقَّق في آمال الجماعة دون تغييب للفرد أو نسيان.

والدين التزام روحي وأخلاقي، ومنهج يُوجِّه سلوك الأفراد ويمنح وجودهم ذاتية متميزة، ويُوحِّد الجماعة ويصون المجتمع، ويمنحه تماسكه، وينفخ فيه روحه الاجتماعية التعاونية.

فدوافع الفعل المحرِّكة للفرد: تضحية في سبيل الصالح العام، وجهد جماعي في سبيل الكل؛ دون أنانية مفرطة، وأَثَرة مهلِكة، ودون تنازل عن ثوابت الشخصية، وذاتيتها المستقلة، وهذا هو محور الارتكاز ومركز التوازن.

وتتجلى عظمة الإسلام وحضاريته في عالميته الكونية، وربط الانتماء بالحضارة× من خلال بعث أصالة الأمة، لتأكيد الذاتية، وتوسيع دارئة النظرة الحضارية.

فروح الإسلام هي التي تسري عمقاً وشمولاً في تربية الفرد وسلوكه، وتدفعه إلى بذل الجهد ومزيد العمل، وتمنحه أفضل العادات وخير التصرفات.

ولا تتقدم أمة إذا لم تعتمد على استنفار الروح في أعماق الجماهير وقلوب الناس، وإيقاظ الكوامن النفسية والمشاعر العاطفية، وتسخيرها لخدمة أغراض المجتمع.

والإسلام يملك هذه الروح، ويحوي في جوهره هذه الحقائق، والحاجة اليوم إلى حسن استعمالها، وإعادة الحياة لها؛ بحيث يشعر الفرد وهو يؤدي واجبه في البيت والمجتمع، المدرسة والجامعة، وفي السوق والمصنع، وفي كل نواحي الحياة بأنه يستجيب لدوافع الذاتية الإيمانية، لا بدوافع اقتصادية بحتة، أو مادية مفرطة على طريقة (فروييد).

وعند توافق الدوافع الإيمانية مع الأهداف الكلية للمجتمع تجد تطابق المصلحة الفردية مع المصلحة الجماعية العامة، ويحس الفرد بأن العمل نابع من إيمانه، ومنبعث من وجدانه؛ محقق لمصلحته وذاتيته، ومشبع لحاجاته ومتطلباته؛ ضمن مصالح الناس من حوله، وإشباع متطلباتهم وتلبية احتياجاتهم؛ بالتعاون والإيمان، والصدق والإحسان.

وعندها ينتقل الدين من حيز العبادة المحضة الفردية إلى نطاق العبادة الكبرى المجتمعية؛ بتحقيق أثر العبادة في السلوكيات، وهذا هو حجر الزاوية ونقطة الارتكاز في إصلاح الشعوب والأمم؛ من خلال تربية الأفراد داخلها على أساس العمل الجماعي المنَظَّم.

ولقد مرت على المجتمعات الإسلامية ظروف من التلف، وعوامل أدت إلى جمود تلك المجتمعات وأصابت شخصيتها بالتمزق، وحولت وحدة الأمة إلى التفرق، وانفصل الفعل عن القول، وتباين العمل عن الإيمان، وتباعد السلوك عن العبادة.

ولا سبيل إلى إيقاظ المجتمعات اليوم من غفوتها الحضارية إلا بإزالة الانفصال بين الدين والحياة؛ ليكون الدين قوة عاملة، ومؤثراً فاعلاً في النهوض بالأمة واستعادة مكانتها.

عدد القراء : 888