حل المشاكل الأسرية لا يعنى إبطال الأصل الشرعي
المشكلة لا تغير الأصل:
فرق كبير في الفتاوى التي يصدرها بعض الفقهاء بدوافع متعددة، وبين الأصل الشرعي للمسألة، لدرجة عدم التسوية بين الأمر الدياني؛ الذي يتولى حسابَ صاحبه اللهُ سبحانه وتتعالى، والأمر القضائي؛ الذي يتولى القاضي بيان الحكم فيه، مع دراسة الواقعة والملابسات السابقة واللاحقة للمسألة، أو المفتي في إعطاء الجواب الشافي للمستفتي.
فإذا كان بعض الأزواج يتعسف في حقه، ويتعجل في اتخاذ قرار فصل العلاقة الزوجية؛ فإنه يحاسب على تقصيره، ويلام على خطئه، وذلك في الآخرة، أما القضاء والإفتاء فإنه يتولى بيان ما سمعه من المستفتي أو الناطق بالطلاق.
ولا ينكر دور النصح في تأخير زمن الطلاق حتى يستكمل مراحله، من الوعظ، والهجر في المضجع، والضرب، والوساطة التحكيمية، ثم إذا فشلت هذه الوسائل لا بأس بأن يلجأ الرجل إلى الطلاق، ويلاحظ في الآراء التي توصف بالجرأة أنها تناسب حالات خاصة، ولا تنسحب على جميع الحالات، بل يبقى الأصل الشرعي كما هو، فكل لفظ فيه جذر (ط ل ق) يقع به الطلاق، ومن واجب الدعاة والعلماء أن يبينوا للناس الصواب والحق والأصل، ولا يكتفون بتبرير أخطاء المكلفين، ومحاولة إيجاد سبل ومخارج قد تصل إلى الحيل بدافع المحافظة على الأسر والعائلات.
ثم إن هناك فرقاً بين النصيحة التي يرى الداعية أو العالم أن يقدمها للناس للابتعاد عن الانزلاق في المتاهات، واجتناب المشكلات، وبين الحكم الشرعي في أصل وضعه، وأنا مع الباحث في النصح والتذكير والوعظ والإرشاد وخطورة أمر التسرع في الطلاق واستعمال ألفاظه، ولكن هذا لا يأتي بتغيير أو بانتقاء حكم شرعي وكأنه هو كل الحكم، ويُحمل الناس عليه.
ملاحظات في المقال: جاء فيه: (وبعد أن قسم أنواع الطلاق إلى ثلاثة أقسام: ...) أقول: هذا ليس من تقسيم الباحث بل من تقسيمات الفقهاء، وهو ناقل لها.
ملاحظات علمية:
أولاً: ورد في تعريف الطلاق البدعي: (أن يطلقها في حيض، أو طهر اقترب منها فيه في الفراش ولو مرة، أو أن يطلقها ثلاثاً في لفظ واحد).
والسؤال ما الرابط بين الطلاق الذي حصل في الحيض، أو طهر تمت فيه ملامسة، الوارد في النص النبوي، في قضية ابن عمر رضي الله عنهما، وبين الطلاق ثلاثاً في لفظ واحد؟.
ثم ما المصدر الذي اعتمد عليه في جعل الطلاق الثلاث بلفظ واحد طلاقاً بدعياً؟.
مَن مِن الفقهاء أطلق على الطلاق ثلاثاً بلفظ واحد: طلاقاً بدعياً؟؟.
ثانياً: ورد في المقال (ثم راح يبين الأدلة على عدم وجود إجماع على إيقاع الطلاق البدعي، واعتبر أن الذي يدعي الإجماع على أن الطلاق البدعي يقع هو واهم مخطئ).
وهذه طامة كبرى، فماذا نفعل بالأحاديث الآتية الواردة في قضية طلاق ابن عمر، وقد اخترت الأحاديث الدالة على وقوع الطلاق في الحيض (أحد صور الطلاق البدعي)، واحتساب الطلقة، وإليك الأحاديث:
- حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ، قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ - رضي الله عنهما – قَالَ: طَلَّقَ ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما – امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ:"لِيُرَاجِعْهَا"، قُلْتُ: تُحْتَسَبُ؟، قَالَ:"فَمَهْ"، وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ:"مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا"، قُلْتُ: تُحْتَسَبُ؟، قَالَ: أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ، حَدَّثَنَا أَبُو مَعْمَرٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ حَدَّثَنَا أَيُّوبُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ حُسِبَتْ عَلَيَّ بِتَطْلِيقَةٍ([1]).
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ حَدَّثَنَا أَبِي حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ نَافِعٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ طَلَّقْتُ امْرَأَتِي عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ:"مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيَدَعْهَا حَتَّى تَطْهُرَ ثُمَّ تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى فَإِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْهَا قَبْلَ أَنْ يُجَامِعَهَا أَوْ يُمْسِكْهَا فَإِنَّهَا الْعِدَّةُ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يُطَلَّقَ لَهَا النِّسَاءُ"، قَالَ عُبَيْدُ اللَّهِ قُلْتُ لِنَافِعٍ مَا صَنَعَتْ التَّطْلِيقَةُ قَالَ وَاحِدَةٌ اعْتَدَّ بِهَا،وحَدَّثَنَاه أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَابْنُ الْمُثَنَّى قَالا حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ إِدْرِيسَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بِهَذَا الْإِسْنَادِ نَحْوَهُ وَلَمْ يَذْكُرْ قَوْلَ عُبَيْدِ اللَّهِ لِنَافِعٍ قَالَ ابْنُ الْمُثَنَّى فِي رِوَايَتِهِ فَلْيَرْجِعْهَا، وقَالَ أَبُو بَكْرٍ فَلْيُرَاجِعْهَا ([2]).
- حَدَّثَنِي عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ أَخْبَرَنِي يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ وَهُوَ ابْنُ أَخِي الزُّهْرِيِّ عَنْ عَمِّهِ أَخْبَرَنَا سَالِمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ طَلَّقْتُ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرَ ذَلِكَ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَغَيَّظَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ:"مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا حَتَّى تَحِيضَ حَيْضَةً أُخْرَى مُسْتَقْبَلَةً سِوَى حَيْضَتِهَا الَّتِي طَلَّقَهَا فِيهَا، فَإِنْ بَدَا لَهُ أَنْ يُطَلِّقَهَا فَلْيُطَلِّقْهَا طَاهِرًا مِنْ حَيْضَتِهَا قَبْلَ أَنْ يَمَسَّهَا؛ فَذَلِكَ الطَّلاقُ لِلْعِدَّةِ كَمَا أَمَرَ اللَّهُ، وَكَانَ عَبْدُ اللَّهِ طَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً وَاحِدَةً فَحُسِبَتْ مِنْ طَلاقِهَا، وَرَاجَعَهَا عَبْدُ اللَّهِ كَمَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحَدَّثَنِيهِ إِسْحَقُ بْنُ مَنْصُورٍ أَخْبَرَنَا يَزِيدُ بْنُ عَبْدِ رَبِّهِ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنِي الزُّبَيْدِيُّ عَنْ الزُّهْرِيِّ بِهَذَا الإِسْنَادِ غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ ابْنُ عُمَرَ فَرَاجَعْتُهَا وَحَسَبْتُ لَهَا التَّطْلِيقَةَ الَّتِي طَلَّقْتُهَا([3]).
- حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى أَخْبَرَنَا خَالِدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَنْ امْرَأَتِهِ الَّتِي طَلَّقَ، فَقَالَ: طَلَّقْتُهَا وَهِيَ حَائِضٌ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِعُمَرَ، فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ:"مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، فَإِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْهَا لِطُهْرِهَا"، قَالَ: فَرَاجَعْتُهَا، ثُمَّ طَلَّقْتُهَا لِطُهْرِهَا، قُلْتُ: فَاعْتَدَدْتَ بِتِلْكَ التَّطْلِيقَةِ الَّتِي طَلَّقْتَ وَهِيَ حَائِضٌ، قَالَ: مَا لِيَ لا أَعْتَدُّ بِهَا، وَإِنْ كُنْتُ عَجَزْتُ وَاسْتَحْمَقْتُ([4]).
- أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَ حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ قَالَ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ قَالَ سَمِعْتُ يُونُسَ بْنَ جُبَيْرٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ قَالَ: طَلَّقْتُ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عُمَرُ فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"مُرْهُ أَنْ يُرَاجِعَهَا، فَإِذَا طَهُرَتْ يَعْنِي فَإِنْ شَاءَ فَلْيُطَلِّقْهَا"، قُلْتُ لابْنِ عُمَرَ: فَاحْتَسَبْتَ مِنْهَا؟، فَقَالَ: مَا يَمْنَعُهَا، أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ([5]).
- حَدَّثَنَا الْقَعْنَبِيُّ حَدَّثَنَا يَزِيدُ يَعْنِي ابْنَ إِبْرَاهِيمَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ حَدَّثَنِي يُونُسُ بْنُ جُبَيْرٍ قَالَ سَأَلْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ قَالَ: قُلْتُ: رَجُلٌ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، قَالَ: أَتَعْرِفُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ، قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ، فَأَتَى عُمَرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُ، فَقَالَ:"مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ لِيُطَلِّقْهَا فِي قُبُلِ عِدَّتِهَا، قَالَ: قُلْتُ: فَيَعْتَدُّ بِهَا؟!، قَالَ: فَمَهْ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ([6]).
- حَدَّثَنَا يَزِيدُ أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ قَالَ قُلْتُ لِابْنِ عُمَرَ حَدِّثْنِي عَنْ طَلَاقِكَ امْرَأَتَكَ قَالَ طَلَّقْتُهَا وَهِيَ حَائِضٌ قَالَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَذَكَرَهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، فَإِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْهَا فِي طُهْرِهَا، قَالَ: قُلْتُ لَهُ: هَلْ اعْتَدَدْتَ بِالَّتِي طَلَّقْتَهَا وَهِيَ حَائِضٌ؟، قَالَ: فَمَا لِي لا أَعْتَدُّ بِهَا وَإِنْ كُنْتُ قَدْ عَجَزْتُ وَاسْتَحْمَقْتُ([7]).
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بَكْرٍ قَالا حَدَّثَنَا سَعِيدٌ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ يُونُسَ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ سَأَلَ ابْنَ عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَقَالَ: أَتَعْرِفُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ فَإِنَّهُ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ حَائِضاً، فَانْطَلَقَ عُمَرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِذَلِكَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا، ثُمَّ إِنْ بَدَا لَهُ طَلاقُهَا طَلَّقَهَا فِي قُبُلِ عِدَّتِهَا"، قَالَ ابْنُ بَكْرٍ أَوْ فِي قُبُلِ طُهْرِهَا فَقُلْتُ لابْنِ عُمَرَ: أَيُحْسَبُ طَلاقُهُ ذَلِكَ طَلاقًا؟، قَالَ: نَعَمْ، أَرَأَيْتَ إِنْ عَجَزَ وَاسْتَحْمَقَ([8]).
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ قَالَ طَلَّقْتُ امْرَأَتِي وَهِيَ حَائِضٌ فَأَتَى عُمَرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ فَقَالَ:" مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا ثُمَّ إِذَا طَهُرَتْ فَلْيُطَلِّقْهَا"، قُلْتُ لابْنِ عُمَرَ: أَحَسِبَ تِلْكَ التَّطْلِيقَةَ؟، قَالَ: فَمَهْ([9]).
- حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ يَعْنِي ابْنَ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ أَنَسِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ سَأَلْتُهُ عَنْ امْرَأَتِهِ الَّتِي طَلَّقَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ طَلَّقْتُهَا وَهِيَ حَائِضٌ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِعُمَرَ فَذَكَرَهُ عُمَرُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"مُرْهُ فَلْيُرَاجِعْهَا إِذَا طَهُرَتْ طَلَّقَهَا فِي طُهْرِهَا لِلسُّنَّةِ"، قَالَ: فَفَعَلْتُ قَالَ أَنَسٌ: فَسَأَلْتُهُ هَلْ اعْتَدَدْتَ بِالَّتِي طَلَّقْتَهَا وَهِيَ حَائِضٌ؟، قَالَ: وَمَا لِي لا أَعْتَدُّ بِهَا، إِنْ كُنْتُ عَجَزْتُ وَاسْتَحْمَقْتُ([10]).
فهل بعد هذه الأحاديث نخطئ مَن يوقع الطلاق في الحيض الذي هو أحد صور الطلاق البدعي!!!.
ثم إن هناك فرقاً بين القول بمنع إيقاع الطلاق البدعي، والقول بالنهي عن فعله ومباشرته، قال ابن حجر: (مراد النفي عن فعله لا النفي لحكمه) ([11]).
وفي فيض القدير: (ولفظ الدارقطني: من طلق في البدعة ألزمناه بدعته، وبه احتج مَن ذهب إلى أن الطلاق البدعي يلزم ويقع، وإن كان حراماً) ([12]).
ثالثاً: ليس المسألة المطروحة، والقضية المدروسة هي: هل أجمع الفقهاء على إيقاع الطلاق البدعي، أم لا؟، فهذه مسألة لا يختلف فيها أحد، وفي المسألة أقوال، وأما النقل عن الإمام أحمد بأنه قال: مَن ادعي الإجماع فقد كذب، فهذا القول كما رواه ذلك ابن حزم عن الإمام أحمد([13]): كلام عام، وليس في مسألة الطلاق البدعي فلسنا بحاجة لجعله دليلاً.
وإذا كان الباحث أو الفقيه أو المفتي (يميل) إلى بعض الأحكام، أو إلى اختيار بعض أقوال الفقهاء كما ورد في المقال فإن هذا اختياره، ولا يجب أن يلزم الناس جميعاً به، وفي البحث يلاحظ أنه قد وقع اختياره على قول فقهاء سبقوه، كالإمامية، والإثني عشرية، والمعتزلة، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، والظاهرية وعلى رأسهم ابن حزم، ولم يجتهد اجتهاداً جديداً حتى تطلق عليه الألقاب والألفاظ الموحية بصحة قوله واختياره، (التفسيرات اللغوية التي مهر هو فيها، على الرغم من أن اختصاصه هو من كلية الشريعة، وليس من كلية الآداب)، وفي البحث العلمي الجاد لا ينبغي أن تكون هناك إيحاءات نحو تعظيم شأن الباحث، وكأن الحكم الشرعي يُسلَّم إذا صدر عن (فلان) لكونه كذا وكذا من الألقاب، بل الحكم يؤخذ من قوة الدليل وصحة الاستنباط ودقة النقل.
مناقشة الأدلة:
الدليل الأول والثاني أراهما يبينان الطريقة الصحيحة التي يجب أن يستخدمها المسلم إذا وصل إلى مرحلة الطلاق، وهي: أن يطلق زوجته في طهر لم يجامعها فيه، وهو ما يسمى : (الطلاق السني)، وليس في ه إشارة إلى عدم وقوع الطلاق البدعي.
الدليل الثالث: منقول عن الإمام الصنعاني في سبل السلام([14])، وأكرر قول ابن حجر: فرق بين النهي عن فعل الأمر، وبين وقوع أثر الفعل المنهي عنه، فالزنا منهي عنه، ولكن إذا وقع أقيم الحد على فاعله، ولا يقال: الزنا منهي عنه فلا يقع أثره، والطلاق البدعي وإن كان منهياً عنه، فإن أثره واقع حاصل، وكذا الدليل الرابع والسادس يدور على أن الشارع منع المسلم من الطلاق البدعي وحرّمه عليه، وهذا مما لا إشكال فيه، ولكن كيف يستقيم أن يُرفَع أثر الفعل المحرَّم؟!!!.
الدليل الخامس: الحفاظ على الأسرة لا يكون بمنع إيقاع أثر الطلاق البدعي، فهناك وسائل كثيرة متعددة تحافظ على الأسرة ونقصد الشريعة، وماذا نقول لمَن طلق زوجته طلاقاً على السنة الصحيحة؛ في طهر لم يجامعها فيه، فهل هو محافظ على أسرته ومقصد الشريعة، والآخر غير محافظ على الأسرة؟!!!.
ثم إن الباحث لم يذكر مصدر الترجيح ودليل ذلك في الذي أمضاه سيدنا عمر في قضية الطلاق، هل هو الطلاق ثلاثاً، أم الطلقات الثلاث التي تقع أثناء العدة؟!!!.
وفي الختام، يقول: أرى ألا يجري الطلاق إلا في المحكمة، وهذه نصيحة وتوجيه وأمل، وليس حكماً شرعياً واجباً، والقصة المذكورة قيل بأنها منسوبة إلى هارون الرشيد، فما مصدرها، وما مكانتها العلمية في مصادر التشريع!!.
أخيراً: الرأي حوار، ولا بد أن توضع له أسس تفكير سليمة، ومرجعية تصويب متفق عليها، لمعرفة: ما الذي يمكن أخذه بالنص، وما الذي يمكن أخذه بالفهم، وإذا وقعنا على مسألة تحتمل أكثر من رأي، فهل يجب حمل الجميع على اتباع فهم واحد، أم يختار المسلم أيَ مفهوم ويعمل به دون حرج ولا تضييق، ويختار آخر فهماً آخر دون حرج أو تضييق أيضاً.
([1]) رواه البخاري، رقم الحديث (4851).
([2]) رواه مسلم، رقم الحديث (2677).
([3]) رواه مسلم، رقم الحديث (2679).
([4]) رواه مسلم، رقم الحديث (2685).
([5]) رواه النسائي، رقم الحديث (3499).
([6]) رواه أبو داود، رقم الحديث (1868).
([7]) رواه الإمام أحمد، رقم الحديث (287).
([8]) رواه الإمام أحمد، رقم الحديث (4783).
([9]) رواه الإمام أحمد، رقم الحديث (5232).
([10]) رواه الإمام أحمد، رقم الحديث (5845).
([11]) فتح الباري شرح صحيح البخاري، 9/389.
([12]) فيض القدير، المناوي، 6/176.
([13]) المحلى، ابن حزم، 3/246.
([14]) سبل السلام، الصنعاني، 3/171.
عدد القراء : 1445