shikh-img
رسالة الموقع
أول أيام شهر رمضان للعام 1442 هجري، هو يوم الثلاثاء الواقع فث 13/ 4/ 2021 ميلادي. تقبل الله منا و

خطبة بمناسبة بدء العام الدراسي 17/9/2010

خطبة بمناسبة بدء العام الدراسي 17/9/2010

كلمات أوجهها لكل مدرس،

أي خطأ يرتكبه ذلك المدرس الذي يظن أن وظيفته رسمية فحسب.

وأي ظلم وإهانة للجيل الناشئ سيحصل لو ظنه المدرس ذلك.

فيا أخي المدرس: أنت على ثغرة عظيمة، أنت الذي وثق آلاف وآلاف أولياء الأمور عندما سلموا لك أولادهم، وعلقوا برقبتك هذه الأمانة.

إن وظيفة التعليم أسمى وأعلى من أن تكون وظيفة رسمية أو مصدراً لكسب الرزق، إنها إعداد للأجيال وبناء للأمة.

هل تعلم أخي المدرس أن العالم الداعية الذي يحمل هم دينه، أو ذلك القاضي الذي يحكم في دماء الناس وأعراضهم وأموالهم، أو ذلك الجندي الذي يقف في الميدان حاميا لعرين الأمة وحارسا لثغورها، هل تعلم بأن كل هؤلاء وغيرهم وغيرهم إنما كانت بداياتهم هو أنت وكل هؤلاء قد عبروا بوابة المدارس.

إن عظماء العالم وكبار الساسة وصناع القرارات الخطيرة كل هؤلاء بالتأكيد قد مروا عليك أنت أيها المدرس أولاً.

وإن بصماتك بالتأكيد قد أثرت في ناحية من نواحي تفكيرهم أو على جانب من جوانب شخصياتهم.

إنه ليس بلازم أن يكون قواد الأمة ومصلحيها قد مروا على عيادات الأطباء أو على مكاتب المهندسين أو المحامين، بل إن العكس هو الصحيح، إذ لا بد أن يكون كل هؤلاء الأطباء والمهندسين والصيادلة والمحامين والمحاسبين وغيرهم، لا بد وأن يكونوا قد مروا من تحت يد مدرس، لأنهم من ناتج عمله وجهده وتدريبه.

إن المعلمين يخدمون البشرية جمعاء ويتركون بصماتهم واضحة على حياة الأفراد ومستقبلهم يستمر مع هؤلاء الأفراد السنوات وقد تمتد معهم ما امتد بهم العمر.

إنهم يتدخلون في تشكيل حياة كل فرد حر من باب المدرسة ويشكلون شخصيات رجال المجتمع من سياسيين وعسكريين ومفكرين وعاملين في مجالات الحياة المختلفة، فهو أنت أيها المدرس، الذي تدرس الصغير والكبير وتعد الجميع وتهيئهم ليصل بعضه إلى ما لم تصل إليه أنت.

لكنك صاحب اللبنة الأولى وحجر الأساس. فهل أدركت موقعك من المجتمع وعلمت مكانك بين الناس، وهل أدركنا نحن الآباء الآن دور المدرس؟ فهذه بعض لفتات أقرأها عليك أخي المدرس من هذه البرقية:

أولاها: لا تهمل النصيحة ولو لبضع دقائق، وإن لم تكن مدرس دين، فليس شأنك أن تدرس الفاعل والمفعول أو توضح المركبات الكيميائية أو تحل المعادلات الرياضية لكن مهمتك مع كل هذا التربية، فخصص وقتا ولو يسيرا لذلك.

ثانيها: مساهمتك أيها المدرس في إصلاح نظام التعليم، إن دورك لا يقف على ما تقدمه في الفصل الدراسي. فأنت أدرى من غيرك بالإيجابيات والسلبيات فساهم في اقتراح بناء على إدارة المدرسة أو تنبيه على ملحظ أو مناقشة هادئة لقرار، ولا بأس أن تطرح فكرة بناءة فتكتب عنها إلى من يهمه الأمر أو تسعى لدارسة ظاهرة من الظواهر السلبية في نظام أو مادة فتكتب عنها، والمهم أن لا تكون سلبيا.

لك أنت أيها الأب

إنها برقية سرية وعاجلة أيضا لكنها لك أنت أيها الأب ولي أمر الطالب والطالبة، اعلم رعاك الله بأن البيت هو الدائرة الأولى من دوائر تنشئة الولد وصيانة عقله وخلقه ودينه. فماذا يصنع المدرس؟ أو ماذا تستطيع أن تعمل إدارة المدرسة؟ بل حتى وزارة التربية لطالب نشأ في بيت بعيد عن الأجواء المنضبطة، وآخر تربى على استنكاف العبادات، وثالث نشأ في جو موبوء بالمنكرات، ورابع ركب أبوه الدش فوق رأسه، فقد يستطيع الأستاذ أن يقطع خطوات في تربية الطالب وتوجيهه، لكنه جهد غير مضمون الثمرة، لأن تأثير البيت المعاكس يظل دائما عرضة لإفساد ما تحاوله المدرسة.

وإن من أكبر التناقضات التي يعيشها الطالب والتي تكون سببا في انحرافه سلوكياً وسقوطه دراسيا هو التناقض الذي يعيشه بين توجيهات مدرس صالح ومتابعة إدارة جيدة وبين بيت موبوء بوسائل الإعلام المخالفة والمصادمة لتوجيهات المدرسة.

كيف سيتفوق طالب يقضي كل يوم أربع أو حتى خمس ساعات بين أفلام ساقطة وبرامج هدامة تهدم كل يوم لبنة من لبنات الفطرة السليمة في شخصية هذا الطفل؟ ماذا تتوقع من طالب في سن المراهقة يعكف على مسلسلات قاعدتها الأساسية مظاهر الحب والغرام والعشق بين الجنسين ومسرحيات وتمثيليات تظهر مفاتن المرأة ومحاسنها؟ ثم يتمنى الأب أن يكون ولده في المرتبة السامية العليا من الأخلاق والأدب ومن السلوك الطيب، ويكون متفوقا في دراسته هذا لا يمكن أبدا.

فاتقوا الله أيها الآباء واتقوا الله يا أولياء أمور الطلبة والطالبات، كونوا عونا وسندا لتوجيهات المدرس، ولا تكونوا سببا في انحراف أولادكم بسبب محرمات أدخلتموها في بيوتكم ثم بعده فشل هذا الطالب في دراسته وحياته كلها.

للأغنياء..

الأسعار المرتفعة للأدوات المدرسية ماذا يفعل موظف راتبه قليل وله اثنان أو ثلاثة من الأولاد في المدارس؟! ماذا يعمل وكيف يواجه أسعار أدوات المدارس المرتفعة إذا كانت الأدوات المدرسية مكلفة؟

فيا أصحاب القرطاسيات المدرسية رحمة وشفقة بفقراء المسلمين هل فكرتم أن تجعلوا شيئا من صدقاتكم بعض أدوات يحتاجها فقير في حي، أو أرملة مات زوجها وأولادها في المدارس؟ تصدقوا في هذه الأوقات يبارك الله لكم في تجارتكم.

ثم يا أيها المدرسون والمدرسات: رحمة وشفقة بفقراء المسلمين، لا تطلبوا ولا تلزموا الطلاب مالا حاجة ملحة له، وما يمكن الاستغناء عنه فليلغى، ولا يكن مقاييسكم طلبات متوسطة الدخول الشهرية. بل ما دون المتوسط مراعاة لنفسيات فقراء الطلبة والطالبات.

وأخيرا يا أيها الأغنياء، يا من وسع الله عليكم هذا وقت مناسب للصدقات والتبرعات، تلمسوا البيوت الفقيرة حولكم، واعرفوا ما ينقص أولادهم من طلبات المدارس، فسددوا هذا النقص يؤتكم الله أجرا عظيما. ويا حبذا لو تعرف المدرسون والمدرسات على محاويج الطلبة عندهم ثم قاموا بتشكيل لجنة، وجمعوا من بعض التجار، وتولوا هم هذا الأمر لأنهم أعرف بطلابهم وحاجياتهم.

 الهدف من التعليم

 لو سألنا سؤالا وقلنا، ما هو الهدف من العملية التعليمية كلها؟ ما هو الهدف من فتح المدارس ووضع المناهج وطبع الكتب وتوظيف هذا الكم الهائل من المدرسين وصرف هذه المرتبات لهم وبناء المدارس والأبنية والأثاث إلى ما لا عد له ولا حصر؟ ما هو الهدف من ذلك؟

لا شك عندنا والجواب واحد من الجميع بأن الهدف هو هذا الطالب. الهدف من المؤسسة التعليمية بقضها وقضيضها هو الطالب، لكن هل أن يخرج عجلا آدميا؟ بالتأكيد لا.

الهدف هو أن نعد هذا الطالب إعدادا صحيحا يتخرج هذا الطالب وهو يملك عقلا واعيا وخلقا رفيعا وعقيدة صحيحة، وكل هذا لا بد أن يثمر العمل. يثمر محبة الله وخوفه ورجاءه ثم يثمر الاعتدال في الحكم على الأمور، يثمر الاستعداد لله وللدار الآخرة.

الهدف من المؤسسة التعليمية في شريعة الإسلام هو إعداد ذلك الإنسان الصالح النافع لنفسه وأبويه ومجتمعه وأمته.

الهدف من التعليم هو تخريج أجيال مؤمنة تربت على الاحتساب والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والعلم والتعلم والصبر، وإذا لم نخرج في النهاية بهذا فعملنا ضائع لا جدوى له، ضائع في الدنيا قبل الآخرة.

عليك أيها الأب وأنت أيها المدرس وقبلهم أنت أيها الطالب وبعدهم نحن جميعا ونحن نستقبل عاما دراسيا جديدا أن نستحضر هذه المعاني، وأن ندرك بأن هدف التعلم هو هذا، وما جُعل العلم والتعليم في الإسلام إلا لهذا، وإذا ما رأيت أيها الأب غير هذا سواء في ولدك بعد التخرج أو حتى وهو يتنقل في مراحله التعليمية أو حتى في أولاد غيرك فاعلم بأن خطة التعليم التي يسير عليها ولدك غير صحيحة وأنه هناك نقصاً.

فإما أن يكون النقص والقصور فيما يأخذ فهي ليست كاملة ومستوفاة، فاحرص أن تكمله أنت في البيت أو إدخاله في حلقات التحفيظ في العصر أوإلحاقه بإحدى المكتبات الخيرية، أو أن الخلل يكون في المعلمين والمدرسين الذين يتلقى عنهم ولدك، فهم إما أنهم ليسوا على مستوى التدريس والتعليم أو أن هذه المعاني غائبة عن أذهانهم أصلا، وهذه مشكلة كبيرة في حد ذاتها.

وهذا هو النقص الحقيقي الموجود في طاقم التدريس، فمثلا مدرس الرياضيات يظن أن عمله والمطلوب منه هو تقديم هذه المادة الجافة وشرحها، وأن يفهمها الطلاب ثم يخرج، وقل مثل هذا الكلام على مدرس الفيزياء والتاريخ والجغرافيا والنحو وغيرها كثير.

طيب الخلق والأدب والتوجيه والإرشاد وصياغة عقل الطالب وخلق الطالب، كل هذا من أين يتلقاه الطالب؟ ومن أين يأخذه؟ من البيت؟ الأب أدخل ولده المدرسة وهو يتصور أن المدرسة تقوم بشيء من الدور، وفي المدرسة يوجد هذا التصور الكبير في طاقم المدرسين وهذا الانشطار في الفهم؛ لأن مدرس الرياضيات يظن بأن هذا مهمة مدرس الدين وإذا ما أتيت إلى مدرس الدين وجدته أنه ملتزم بمنهج محدد لا بد أن ينهيه وهو أصلا لا يلتقي بالطلاب إلا سويعات في الأسبوع، فلا يجد فرصته أصلا للتوجيه.

لا بد أن يشارك الجميع في قضية التوجيه والإرشاد وصيانة خلق الطالب وأدبه، وعقله ودينه، وهذه ليست مهمة مدرس الدين فقط.. بل كل مدرس هو مسؤول عن هذا الجانب ثم ما لا يكتمل فإنه يُكمّل في البيت، حتى يخرج في النهاية ذلك الإنسان المسلم الصالح النافع لأمته.

وإذا أهملنا هذا الجانب فإن الخسارة نتحملها نحن، تصرف أموال بالملايين على التعليم ثم لا يؤدي هذا التعليم ما هو مطلوب منه، فيتخرج المهندس، ويتخرج الطبيب، ويتخرج الفني، لكن ما الفائدة عندما يكون مهندسا فاجرا أو طبيبا فاسقا أو موظفا خائنا؟ كم تخسر الأمة من تخريج أمثال هؤلاء؟ السبب: هو أن المؤسسة التعليمية لم تكمل من كل جوانبها، حتى يتخرج ذلك الإنسان المؤمن العاقل الناضج الذي يخاف الله والذي يراقب الله قبل أن يراقب مديره ومسؤوله في العمل.

فهل هذه المعاني واضحة في أذهاننا؟ ونحن نستقبل عاما دراسيا جديدا؟ آمل ذلك.

 اللهم رحمة تهدي بها قلوبنا، وتجمع بها شملنا، وتلم بها شعثنا، وترد بها الفتن عنا، يا حي يا قيوم.

قال بعض العلماء: من لم يتحمل ذل التعلم ساعة بقي في ذل الجهل أبداً.

وينبغي أن يبدأ الطالب دراسته بكل همة ونشاط ومتابعة ودراسة لكي يُحَصِّل أكثر وأكثر.

يقول أحد العلماء: من لم تكن له بداية مُحْرِقة لم تكن له نهاية مشْرِقة. يعني رحمه الله أن طالب العلم إذا لم يكن حريصاً في بداية طلبه ولا له همة عالية وعزيمة قوية, كانت نهاية طلبه للعلم نهاية ميتة ولا ثمرة فيها، في حين من كانت همته عالية وكان حريصاً في بداية طلبه, وعزيمته قوية, فإنه تكون له نهاية مشرقة.

أيها الإخوة, وتختل الموازين حينما يتولى التدريس بعض من ليس لهم من الإسلام إلا الاسم، فهم يتهاونون بأوامر الله، ويرتكبون ما نهى الله عنه، وتجده يمارس هذه الظواهر أمام الطلاب، كالتدخين مثلاً أو استماع الغناء، وأدهى من ذلك حين يكون هذا المدرس متخصصاً بتدريس مادة شرعية.

فالطالب الذي يرى مدرسه في حالة من الميوعة والتسيب كيف يتعلم الفضيلة؟

والطالب الذي يسمع من مدرسه كلمات السب والشتم كيف يتعلم حلاوة المنطق؟

والطالب الذي يرى مدرسه يتعاطى الدخان سيسهل عليه هذا الأمر.

والطالبة التي مدرستها تسير خلف ما يصدره لها الأعداء من أزياء فاضحة وأخلاق سافلة كيف تتعلم الفضيلة؟

والطالبة التي ترى مدرستها متبرجة كيف تتعلم الالتزام بالحجاب؟
وبالعكس من ذلك.

فحينما ترى طالباً خلوقاً ملتزماً بآداب الإسلام تعلم أنه قد وفق بمن أحسن توجيهه، وتضافرت الجهود من المدرسة والبيت على ذلك.

وبالجملة فيجب على المدرس أن يكون معلماً مؤدباً لطلابه الأدب الإسلامي.

 

عدد القراء : 1312