shikh-img
رسالة الموقع
أول أيام شهر رمضان للعام 1442 هجري، هو يوم الثلاثاء الواقع فث 13/ 4/ 2021 ميلادي. تقبل الله منا و

مولده عليه الصلاة والسلام

مولده عليه الصلاة والسلام

14 ربيع الثاني 1413 هـ                                                    9  تشرين الأول 1992 م

سيكون لنا وقفات شهرية، نقلب فيها صفحة من صفحات سيرة رسول الله r ومحطات لنتعرف من خلالها على صورة من صور حياة رسول الله r. ومحطتنا الأولى ستكون حول مولده عليه الصلاة والسلام .

لقد كان زواج عبد الله بن عبد المطلب من آمنة بنت وهب زواجاً موفقاً ميموناً، اتحد فيه عنصر الطيب، كيف لا، والله U يقول: ]الطيبات للطيبين، والطيبون للطيبات[ وانضم به أصل كريم إلى أصل كريم، وأصهر بيت عتيق في شرف الآباء وطهر الأمهات إلى بيت يكافئه في الشرف والطهارة، فكان من الطبيعي أن تكون ثمرة هذه المصاهرة ثمرة طيبة مباركة، وأن يكون نسل هذا الزواج نسلاً طاهراً كريماً }والبلد الطيب يخرج نباته بإذن ربه{.

ويحدثنا رسول الله r عن طهارة نسبه فيقول فيما رواه مسلم والترمذي عن واثلة بن الأسقع: {إن الله اصطفى من ولد إبراهيم إسماعيل، واصطفى من بني إسماعيل بني كنانة، واصطفى من بني كنانة قريشاً، واصطفى من بني قريش بني هاشم، واصطفاني من بني هاشم}.

لقد كان كلا الزوجين سعيداً بصاحبه، ولكن الله الذي يدير شؤون الخلق على مقتضى الحكمة، لم يشأ لهذين الزوجين أن يندفعا مع الآمال إلى بعيد فقدر عليهما أن يقترفا إلى الأبد وهما لايزالان في ثياب العرس.

كان لقريش رحلتان للتجارة، رحلة في الشتاء إلى بلاد اليمن ومايجاورها، ورحلة في الصيف إلى بلاد الشام وماوراءها، وكان عبد المطلب يحب أن يأخذ أبناءه بالمران على أساليب التجارة، فكان يرسلهم واحداً بعد واحد، في رحلة الشتاء والصيف، فلما كانت هذه الرحلة وقع اختياره فيها على ابنه عبد الله، وهكذا يجب أن يكون الآباء مع أبنائهم يرشدونهم ويعلمنوهم، ويدربونهم على تحمل مسؤوليات الحياة.

كانت الرحلة في هذه المرة قاصدة بلاد الشام، وكان الوقت صيفاً، والحر شديداً، والسفر مضنياً، وكانت ظروف عبد الله كلها تدعو إلى الإقامة، ولكن عبد الله البر بوالديه، لم يشأ أن يخالف أمر أبيه، فسار مع القافلة، وترك وراءه عروسه الحبيبة. وانطلقت القافلة في طريقها إلى الشام، تقطع الفيافي البعيدة وتخوض الرمال الواسعة وتصطلي وقدة الشمس التي تذيب الرؤوس، وحرارة العطش التي تفتت الأكباد، وتعاني من قسوة الصحراء ما تعاني، حتى وصلت إلى أسواق الشام، فباعت ماشاء الله أن تبيع، واشترت ماشاء الله أن تشتري، ثم قفلت راجعة من حيث جاءت، حتى وصلت في طريقها إلى مدينة "يثرب".

وكان عبد الله قد مرض في أثناء الطريق، فأوى إلى أخوال أبيه في المدينة، ليستجم ويستريح، ويقيم عندهم أياماً حتى يشفى من مرضه، أما القافلة فقد تركت رفيقها عبد الله عند أخواله، وواصلت سيرها إلى مكة لتصل إليها في الموعد المعتاد.

وكان أهل مكة يحتفلون برجوع القافلة أيما احتفال، فتخرج جموع الشبان لترافق القافلة من بعيد، ويجتمع الكهول والشيوخ في دار الندوة، يتنسمون الأخبار، ليطمئنوا على أموالهم ومتاجرهم، وتستعد النساء في البيوت لاستقبال العائدين من الأبناء والأزواج والأخوة.

وكان آل عبد المطلب قد تهيأوا لهذا الأمر، كما تهيأ غيرهم من الناس.

ودخلت القافلة مكة، واندفع كل حبيب إلى حبيبه، يعانقه ويقبله، وأخذ عبد المطلب يدور بعينيه في القادمين، يحاول أن يرى ولده عبد الله فلا يراه، أين عبد الله ياقوم؟ أين ولدي العريس؟ أين ابني المدلل؟ أين نجلي الحبيب؟ قال قائلهم: لقد مرض عبد الله في الطريق، وتخلف عند أخواله في يثرب، ليستريح عندهم أياماً ثم يعود.

وفوجئ عبد المطلب بما لم يكن يتوقع، ولده الحبيب الذي مازال عريساً، أصابه المرض وأقعده في يثري، ولكنه لم يلبث أن تمالك نفسه، وكذلك الرجال لاتهزهم الصدمات بل يكونون كالجبال، فأمر ولده الحارث بأن يذهب على الفور إلى يثرب ليحمل إليه أخاه عبد الله، فما لبث الحارث أن أعد راحلته، وانطلق إلى يثرب مسرعاً، ولكنه لم يكد يصل إلى هناك، حتى استقبله الناعي على بابها ينعي إليه أخاه عبد الله.

وعلم الحارث أن عبد الله قد مات، ودفن هناك عند أخواله، فعاد إلى مكة كاسف البال، مكلوم الفؤاد، فألقى إلى أبيه بالنبأ المشؤوم، فاضطرب عبد المطلب له اضطراباً شديداً، وتحير كيف يلقى هذا النبأ الفاجع إلى آمنة بنت وهب، وأطرق برأسه إلى الأرض، ومكث برهة يفكر، ولكن ماذا؟ أليس كلنا ميتين؟ إذن فلا بد مما ليس منه بد..! أمر الله قد وقع، ولابد من التسليم لقضاء الله.

وقام الشيخ متحاملاً على نفسه، يمشي الهوينا في وجوم واكتئاب، حتى إذا وصل إلى بيت آمنة، أخذ يتكلف الابتسام ويتظاهر بالبشر، ثم وقف أمامها حيران لايدري كيف يبدأ ولاكيف ينتهي.

ونظرت آمنة إلى وجه الشيخ فأدركت كل شيء، وأرادت أن تنقذه من حيرته فتقدمت نحوه وهي تقول: أطال الله عمرك، فيك العوض، وفيك الرجاء كله كله..!

إنه الإيمان بمصير الإنسان، إنه الإيمان بأن الدنيا تفنى ولاتبقى، وبأن الإنسان سيفنى، مهما عاش ومهما طال عمره، وماعلى الإنسان إلا أن يتقبل أمثال هذه الأخبار بالصدر الواسع والعقل الكبير فلا يجزع ولايشق الجيوب ولايلطم الخدود، كل ماهنالك، قلب يحزن وعين تدمع.

أما مانراه اليوم من النوح الشديد والبكاء العويل والحزن الطويل، فإن هذا لايرضى به الإسلام. إن البكاء بدون رفع صوت جائز، أما الندب والنواح والشواح والعويل فهو غير جائز لما روى جابر أن رسول الله r قال: {ياإبراهيم، إنا لانغني عنك من الله شيئاً، ثم ذرفت عيناه، فقال له عبد الرحمن بن عوف: يارسول الله أتبكي؟ أولم تنه عن البكاء؟ قال: لا، ولكن نهيت عن النوح}.

وقد روى البخاري ومسلم عن عمر t  أن رسول الله r قال: {إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه}. أي برفع أصواتهم وعويلهم وضرب وجوههم وخدودهم وشق ثيابهم وخروجهم عن الاتزان.

وروى الإمام أحمد وأبو داود عن أبي سعيد الخدري t  عن رسول الله r قال: {لعن الله النائحة والمستمعة}.

وروى البخاري ومسلم عن رسول الله r: {ليس منا من ضرب الخدود وشق الجيوب، ودعا بدعاء الجاهلية}.

وفي الصحيحين: أنه r بريء من الصالقة والحالقة والشاقة. الصالقة التي ترفع صوتها عند المصيب، والحالقة التي تحلق شعرها عند المصيبة، والشاقة التي تشق ثيابها.

  إن الحزن لم يستبد بآمنة بنت وهب، إذ سرعان ماجلت عنها غشية الحزن التي ألمت بها. وأحسنت بروح من السكينة يغشاها، فيملأ قلبها بالطمأنينة والرضا لما جرى به القضاء. ثم إنها قد علمت أنها حامل.

ومرت الأيام، وانتظرت آمنة أن تحس ماتحسه الحوامل من أسباب الضعف والوهن ولكنها لم تجد في نفسها ضعفاً ولاوهناً، فكيف تحس بالضعف والهون وهي تحمل في أحشائها أفضل المخلوقات عند ربه.

لقد كانت تغدو في كل يوم وهي أكثر نشاطاً فيها في اليوم الذي قبله.

وفي إحدى الليالي رأت فيما يرى النائم كأن نوراً قد خرج منها فأضاء مابين المشرق والمغرب حتى رأت على ضوئه قصور "بصرى" من أرض الشام، ومازالت آمنة تتوالى عليها البشائر والآيات، والإشارات والعلامات حتى أتمت شهور الحمل.

وولدت رسول الله r، وكان ذلك في يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول، العاشر من شهر آب سنة 570 م.

وهو العام الذي حدثت فيه حادثة الفيل. إذ جاء أبرهة وأصحابه ليهدموا الكعبة، فأرسل الله عليهم خيراً أبابيل، ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول.

وتحدث آمنة عن نفسها فتقول: "لقد علقت به – أي حملت به – فما وجدت له مشقة حتى وضعته، فلما فصل مني خرج معه نور أضاء له مابين المشرق والمغرب، ثم وقع على الأرض معتمداً على يديه، رافعاً رأسه إلى السماء".

ويحدث رسول الله r عن نفسه فيقول: {كرامتي على الله أني ولدت مختوناً، ولم ير سوأتي أحد}.

وأرسلت آمنة جاريتها إلى عبد المطلب، تخبره بأنه قد وَلد له غلام، فجاء مسرعاً ينظر، فلما جاء حدثته آمنة بما كانت ترى منذ حملت به، وماقيل لها فيه، وماأمرت أن تسميه.

ففرح به عبد المطلب فرحاً شديداً، ونظر إيه فأعجبه، ونزل من نفسه منزلة عظيمة، فجعل يقول: ليكونن لابني هذا شأن، ثم حمله بين يديه وانطلق به إلى الكعبة فقام يدعو ويشكر الله U ويقول:

الحمـد لله  الذي  أعطاني      هذا الغلام الطيب الأردان               أي المبرأ من العيوب

أعيذه بالبيت ذي الأركان      حتى أراه بالـغ  البنيـان

فلما كان اليوم السابع، وهو يوم العقيقة عند العرب، ذبح جزوراً، وأطعم المساكين والفقراء، ودعا رجالاً من قريش فحضروا وطعموا وهنأوا بالطفل السعيد، وتمنوا له رفعة الشأن وبركة العمر فلما أكلوا قالوا: ياعبد المطلب أرأيت ابنك هذا الذي أكرمتنا على وجهه، ماسميته؟ قال: سميته محمداً، قالوا: فما رغبت به عن أسماء أهل بيته؟ قال: أردت أن يحمده الله في السماء، وأن يحمده خلقه في الأرض.

عدد القراء : 1286