الاحتفال بعيد المولد النبوي الشريف
جامع الصديق ـ حلب
السيد المحافظ.
السيد أمين فرع الحزب.
السيد قائد الشرطة.
سماحة مفتي حلب.
السيد مدير الأوقاف.
السادة العلماء الأجلاء.
الإخوة الحضور الأكارم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
الحمد لله الواحد المعبود، أَكْرَم الوجود بمولد خير مولود.
الحمد لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق.
الحمد لله الذي جعلنا من أتباعه وشرَّفنا أن نكون من أحبابه.
والصلاة والسلام عليك يا سيدي يا رسول الله يا صاحب الذكرى.
الصلاة والسلام عليك يا خير خلق الله.
الصلاة والسلام عليك يا أكرم الناس وأعدل الناس.
الصلاة والسلام عليك يا من أُرسلت رحمة للعالمين فكنت أرحم الناس.
الصلاة والسلام عليك يا أجلَّ الناس قدراً، وأحسنهم خُلقاً.
الصلاة والسلام عليك يا أعظم الناس.
سَرَت بشائرٌ بالهادي ومولِدِه
في الشرقِ والغربِ مسرى النورِ في الظُّلَمِ
يقول الله تبارك وتعالى وهو أصدق القائلين: {قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ . يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ} [المائدة: 16].
جاء رسول الإنسانية وهادي البشرية بعد فترة من الزمن، كان الناس أحوج ما يكونون إليه، ولم لا، وقد:
تحققت من خلال رسالته، دعوة الخليل إبراهيم وابنه إسماعيل عليهما السلام حيث قالا وهما يرفعان القواعد من البيت {رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَآ إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ * رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} [البقرة: 127 ـ 129].
وتفاعلت نبوءة موسى عليه السلام حيث جاء فيها {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الخبائث وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف : 157].
وتحققت بشارة عيسى عليه السلام إذ قال، {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ} [الصف : 6].
أيها الحضور الكريم:
إن مولد رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في حقيقته مولد القيم والمبادئ والأخلاق الإنسانية العالية، والتي جسدها في سلوكه ومعاملاته، فاستحق صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أن يكون مثالاً للإنسان النموذجي في كل حركاته وسكناته، ولأجل ذلك جعله الله قدوة لنا، نحذو حذوه، ونتبع أثره، ونحاكيه في كل سلوكه.
إن مولد رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم في واقعه مولد الرحمة والمحبة والعدل والمساواة، التي طبَّقها حتى مع ألد أعدائه، الذين حاربوه وحاربوا أتباعه وأصحابه ومحبيه.
نحتفل في كل عام بذكرى ولادة رسول كريم بعثه الله رحمة للعالمين، فأنقذ البشرية من الضلال إلى الهداية، ونقلها من الظلمات إلى النور، ومن الجهل إلى العلم، فكانت ولادته بشارة لولادة أمة أرادها الله أن تكون خير أمة أخرجت للناس شريطة إيمانها بالله، والتزامها برسالة نبيه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم، وبقدها الشرط تبتعد عن الهدف.
إن هذه الذكرى المباركة مناسبة لتجديد الإيمان وترسيخه في العقول والقلوب من خلال الاعتصام بحبل الله المتين، والتمسك بسيرته الشريفة والتزام تعاليمه وتوجيهاته والاقتداء بنهجه صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
فمولده مولد الرسالة، ومولد النور والهداية، مولد الأعمال الصالحة في القلوب والمحركة لحسن العمل المقرب إلى الله تعالى، مولد النفوس المطمئنة والمزكاة التي لا غل فيها ولا حسد، صفتها الحب لكل الناس، وملؤها النصح لكل الناس، والتعاون على البر والتقوى.
فالرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم صاحب الخلق العظيم الذي وسع الناس بقلبه فتواضع لهم، ونصر ضعيفهم، وأغاث ملهوفهم، وعاد مريضهم، وعفا عمن ظلمه، وأحسن لمن أساء إليه، فجَسَّد صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم الكمال في أعلى مراتبه حاملاً أعظم الصفات التي جعلت منه أعز المرسلين، وحبيب رب العالمين، وإمام المتقين.
وفي الحديث عن عظماء الرجال، لا يكون الكلام من حيث الشكل والمظهر، بل يتعداه إلى الحديث عن السلوك والعمل والجوهر.
وترتقي الشخصيات برفعة الأفعال، وسمو الأخلاق، ومن هنا فإن عظمة شخصية الرسول العربي (محمد) تجلت في قلبه الطاهر صفاء، ورجاحة عقله نقاء، وقد عُرف الرسول الكريم: بالعقل الراجح، والكمال المطلق، والقول الصائب، والفعل الكامل، والصدق في القول، والأمانة في الفعل.
وظهرت عظمته في تمسكه بالمثل العليا طوال حياته، حيث كان يحب معالي الأمور، ويكره سفسافها، عاش مَثَلاً سامياً في الصدق والأمانة، والحِلْم والعطف على الضعيف، وحب الحق والعمل به وحب أتباع الحق، والمحافظة على كل خلق نبيل، وفكر سديد.
واشتُهر بكمال الأخلاق، ومحاسن الصفات، وحسن الشمائل، فقد عُرِف بالحُلْم عند المقدرة، والصبر على احتمال الشدائد، وما خُيِّر بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثماً وحراماً؛ فإن كان إثماً كان أبعد الناس عنه.
دافع عن الحق وأنصف المظلومين، وتعاطف مع الفقراء والمساكين، وعَمِل على تحسين أحوالهم، وأعطى اليتامى والأرامل جل اهتمامه بهم.
وَسِع الناس حتى صاروا عنده في الحق سواءً متقاربين، وقَّر الكبير واحترمه، وعطف على الصغير ورَحِمه، وساعد المحتاج وأعانه، وكان بعيداً عن الفضول؛ لا يتدخل فيما لا يعنيه، وقال: " مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ" [رواه الترمذي والنسائي وابن ماجه].
لم يذِّم أحداً، ولم يبحث عن عيوب إنسان، ولم يُعيِّر مخلوقاً، بل قال: "الْخَلْقُ كُلُّهُمْ عِيَالُ اللَّهِ، فَأَحَبُّ الْخَلْقِ إِلَى اللَّهِ أَنْفَعُهُمْ لِعِيَالِهِ" [رواه الطبراني والبيهقي].
من أخلاقه: زيارة المرضى، وتفقد أحوال الأصدقاء، والسؤال عن أحوال الأصحاب، يواسي الجرحى ويحسن إليهم ويكرمهم.
في بيته: سئلت عائشة كيف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خلا في بيته فقالت: كان ألين الناس وأكرم الناس، كان رجلاً من رجالكم إلا أنه كان ضحاكاً بساماً [مسند ابن راهويه].
مع الإنسان: مرت به جنازة، فقام لها، وقام أصحابه لقيامه، فقالوا له: إنها جنازة يهودي، فقال: أو ليست نفْساً!؟، إذا رأيتم الجنازة فقوموا".
وكم نتمنى أن يمر مولد النبي الأعظم صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم على المسلمين وقد تولدت في النفوس مبادئ الإسلام، في سلوكهم ومعاملاتهم، فكانوا كما ورد عن رسول الله في حياته.
كم نتمنى أن نرى المسلمين وقد انطفأت نيران الحقد والشحناء والتدابر والتقاطع فيما بينهم.
كم نتمنى أن نرى المسلمين كلَّّهم بجميع أطيافهم ومذاهبهم أخوة متحابين كالبنيان المرصوص الذي يشد بعضهم بعضاً، ويكونون يداً واحدة على أعدائهم الذين احتلوا مقدساتهم، واستنزفوا خيراتهم وطاقاتهم، وشغلوهم ببعضهم.
نحن نتمنى في ميلاد رسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم أن تولد هذه الأمة من جديد؛ لتكون خير أمة بفكرها، وعقيدتها، وسلوكها، وبأخلاق أبنائها.
كل التمنيات تحتاج منا إلى عمل، وكل الأماني تحتاج إلى مبادرة، وهذا هو الاتباع والاقتداء بتحويل النظريات إلى سلوكات عملية تطبيقية، ما أحرى أن نقوم بها، وما أجدرنا لو سعينا إليها، فالقيم المجردة جميلة، والأجمل منها أن نراها في أرض الواقع، وفي ميدان السلوك.
حينها يسود البر والتوقير بين الأبناء وبين الآباء والأمهات.
والاحترام المتبادل بين الأجيال معلمين ومعلمات، وبين من يتعلمون منهم.
وحسن معاشرة بين الزوجين.
ودوام عشرة بين الجيران.
وصدق تعامل وأمانة دون غش أو خداع في الأسواق.
وجودة إنتاج وحسن إتقان في الصناعات.
ومحافظة على الموارد الطبيعية في الزراعة.
ومع هذا وقبل ذاك وبعده الاهتمام بالبيئة المحيطة.
وترشيد الاستهلاك وحسن الاستخدام، وعدم الهدر والبعد عن الإسراف، ومنع التبذير.
إن ذكرى ولادة الرسول صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تتزامن هذا العام مع ذكرى رفع سيدنا عيسى إلى السماء (عيد الفصح)، بما يحتم على أصحاب الشرائع أن يتمسكوا بالدين الحنيف وقيمه في إطار الانصهار الوطني الذي شكل ولا يزال ضمانة لاستقرار البلاد ووحدتها وازدهارها.
وإن قمة دمشق ستكون إضافة متألقة للعمل العربي المشترك ولتعزيز التضامن، والعمل على مواجهة التحديات التي تواجه المنطقة، لتعود الجولان إلى أمها، وفلسطين إلى أهلها، ولبنان إلى استقراره، والعراق إلى صفاءه، هذه آمالنا من القمة أسباباً، ورجاؤنا من الله أن يحقق الآمال.
فلسورية مكانة كبيرة بين العرب وانعقاد القمة العربية في دمشق يعزز قوة الشعور العربي ويقوي التضامن بين الأشقاء انطلاقاً مما مثلته سورية دوماً وما تمثله من علاقة ايجابية لكل جهد جماعي عربي، انطلاقاً من قول الله تعالى: {إن هذه أمتكم أمة واحدة}.
نعتقد أن قمة دمشق لن تكون برتوكولية للخطابات، بل قمة حقيقية، وهي للقادة وليست للموظفين، فليحضر من يحضر ويتخلف من يريد، فكل يعرف دوره.
ومكان انعقادها له مدلوله الرمزي، حيث ستكون على مسافة ليست بعيدة من ضريح صلاح الدين الأيوبي وهذا بحد ذاته رسالة ـ لمن فهمها ـ عظيمة.
ودعاؤنا إلى الله تعالى أن يجعل من قمة دمشق منطلق تحرك جاد لقادة الأمة نحو تفعيل القيم والسلوك؛ من إيمان وصدق، وعدل وتضامن وعمل صالح ينفع الشعوب ويسعدها، ويخدم الأمة ويحقق وجودها.
فيرضى رب الأرض والسماء، وخاتم الرسل والأنبياء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
عدد القراء : 1687