shikh-img
رسالة الموقع
أول أيام شهر رمضان للعام 1442 هجري، هو يوم الثلاثاء الواقع فث 13/ 4/ 2021 ميلادي. تقبل الله منا و

الصبر عند الشدائد

الصبر عند الشدائد

19/2/1433 هـ، الموافق لـ 13/1/2012 م

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}

{إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ}

"إذا رأيت:

شحاً مطاعاً

وهوىً متبعاً

ودنيا مؤثرة

فعليك نفسك ودع أمر العوام.

فإن من ورائكم أيام الصبر.

الصبر فيهن مثل قبض على الجمر

للعامل فيهن أجر خمسين رجلاً يعمل بمثل عمله"

 

الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله الذي هدانا للإسلام وأكرمنا بالإيمان وجعلنا من حملة القرآن، ونسأله تبارك وتعالى أن يجعل أعمالنا في درب الخير والإحسان.

نحمدك ربنا ونستعينك، ونستهديك ونستغفرك، ونعوذ بك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهديه الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد بيده الخير وهو على كل شيء قدير، يميز أهل الإيمان بقوة يقينهم ويكرمهم ويجزل عطاءهم بتمسكهم بدينهم.

وأشهد أن سيدنا محمداً عبد الله ورسوله وصفيه وخليله، أدَ الأمانة وبلغ الرسالة ونصح الأمة، وجاهد في الله حق الجهاد، وهدى الناس إلى سبيل الحق والرشاد، تعرض للإيذاء فصبر واحتمل، أوذي في سبيل الله فثبت على الحق، حوصر وقوطع اقتصادياً؛ فكان النصر حليفه.

اللهم صل وسلم وبارك على هذا النبي الكريم الأسوة والقدوة للمؤمنين في كل زمان وفي كل مكان، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحابته ومن تبع هداه وعمل بسنته إلى يوم الدين.

أما بعد فيا أيها المؤمنون:

اتقوا الله، اجعلوا تقوى الله نصب أعينكم ولا تملّوا من هذا الأمر الإلهي، فالله عزَّ وجل صدر به سورة قرآنية: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ} [الأحزاب: 1]، فليست المسألة بأن تكون كلمات تقال، بل هو تذكير لحقيقة تراد، فتقوى الله في السر والعلن، في الرضا والغضب، في السراء والضراء هي خير زاد للإنسان يشعر به في دنياه بالاطمئنان، ويلقى ربه يوم القيامة سائراً إلى الجنان.

أيها المؤمنون:

إن أشهراً طويلة مرت على بلادنا وأحداثاً مؤسفة أدمت قلوب كل إنسان آمن بالله.

هذه الأحداث المؤسفة جعلت ظروفاً قاسية يمر بها الناس، فما المخرج منها؟

إن المخرج أيها الأخوة والأحبة إنما يكون بإيماننا ويقيننا وقوة عملنا بالقرآن.

إن آية في كتاب الله عزَّ وجل يقول فيها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ} -أي أنتم- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة: 105].

هل تعني هذه الآية الخضوع والانكسار والذلة والهوان؟

كلا، في سنن البيهقي سُئل الصحابي الجليل أبو ثعلبة الخشني كيف تقرأ قول الله تعالى :{عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ}، فقال: أما والله سألت عنها خبيراً، -والصحابي إذا سأل الخبير، فمن هو ذاك؟ إنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم-، قال: أما والله سألت عنها خبيراً، سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: "بل ائتمروا بالمعروف" {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ} "بل ائتمروا بالمعروف" {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ}، "وتناهوا عن المنكر".

إذا رأيت عملاً إيجابياً ومعروفاً وخيراً؛ فدعمه وسانده وانشر هذا الخير للناس، وإذا رأيت منكراً فانه عنه وذكر وانصح ولا تتوانى.

"حتى" إذاً هنا يتابع في بيان الخبير سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم في "ائتمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً"، والشح: ليس البخل على الآخرين، ليس البخل على الناس.

الشح: هو البخل على النفس في غيبة الإيمان، يصل الإنسان إلى تعلقه المادي في الدنيا أن يبخل حتى على نفسه، حتى على زوجته وأولاده.

القرآن الكريم يدفعنا إلى الجود والكرم فيقول: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الحشر: 9].

"حتى إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوىً متبعاً"، ليس اتباع القرآن وليس اتباع الإحسان والإيمان، بل هو اتباع الهوى، اتباع الآراء الشخصية، إعجاب كل ذي رأي برأيه، كل يدعي أنه يملك الحقيقة كاملة، كلهم يقول: بأنه يعلم أكثر مما يعلم الآخرون، ونشير بأصبع الاتهام، بأصبعه أو بيده كلها ولو أنه يوماً تأمل أو أدرك لحظة وهو يشير بأصبعه كم أصبعاً يشير بها إلى نفسه.

إذا أشار بالسبابة للناس فإن ثلاثة أصابع هي اتهام لنفسه قبل أن يتهم الآخرين.

"إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوىً متبعاً ودنيا مؤثرة" يؤثرون الدنيا على الآخرة، قال تعالى: {بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى} [الأعلى: 16-17]، إذا رأيت كل هذا ببيان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعليك نفسك.

إذاً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ}، متى؟

"إذا رأيت شحاً مطاعاً وهوىً متبعاً ودنيا مؤثرة" وإعجاب كل ذي رأي برأيه؛ "فعليك نفسك ودع أمر العوام، فإن من ورائكم أيام الصبر"، -وهنا موضع الشاهد الأكبر- "فإن من ورائكم أيام الصبر، الصبر فيهن مثل قبض على الجمر للعامل فيهن أجر خمسين رجلاً يعمل بمثل عمله".

للمتبع والمتمسك والثابت على الحق ودينه أجر خمسين بمثل ما يعمل، فقال رجل: أمِنّا أم منهم، قال: "بل منكم" من الصحابة، المتمسك بدينه في أيام الصبر له مثل أجر خمسين صحابياً.

فيا أيها المؤمنون:

لِمَا الجزع إذا كان الصبر عظيماً؟ ولِمَا القلق إذا كان الاطمئنان بذكر الله كبيراً؟ ولِمَا الخوف إذا كان الآمان بالإيمان؟

أيها الأخوة والأحبة:

تلك الأحداث المؤسفة نقرأها قراءة المتأني الذي عرف حقيقة الإيمان، وقراءة القرآن الذي قرأ حياة الأنبياء والمرسلين والأتقياء والمصلحين، والتاريخ الإنساني مليء بمثل هذه الأحداث بل وأكثر، فما الذي حدث؟ وما الذي بقي؟

إن الإيمان هو الذي يبقى، وإن الكفر هو الذي يزول، وإن العدل هو الذي يدوم، وإن الظلم هو الذي يزول.

يا أحباب رسول الله:

الأحداث المؤسفة قال فيها ما قال وذكر فيها من ذكر، أناس كثيرون، وآخر ما سمعناه في الخطاب قبل أيام من الرئيس بشار الأسد وهو يتحدث عن مثل هذه المعاني إذ قال: الكرامة هي أغلى ما نملك هي أقوى من الجيوش وأغلى من الثروات.

كيف حصلت على كرامتك؟

أنت أيها المؤمن حصلت عليها بالقرآن {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء: 70].

بلدنا يرتكز على دعامتين: عروبته الضاربة في الجذور، والإسلام الذي وصل إليه عن طريق أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.

لا يتخلى مؤمن لا عن عروبته ولا عن إسلامه.

تنوعنا دليل قوتنا أن نعيش رغم اختلاف اتجاهاتنا ومعتقداتنا وأفكارنا، هو الذي يغيظ أعداءنا وأرادوا أن يمزقونا من هذا الملحظ.

لن يتوانى العدو عن تفتيت هذه الوحدة التي نعيشها، كما قال عليه الصلاة والسلام: "تتداعى عليكم الأمم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها" ليزيدوا في التقسيم وليزيدوا في التجزئة والتفريق والتشتت.

ألم يكن جدي وجدك يسيروا من أقصى بلاد الإسلام إلى أقصاها دون إبراز جواز سفر، لماذا إذا أردت أن أعتمر أو أن أحج لا بد أن أخذ الإذن، هل هذا بفعلنا أم بفعل أعداء الإسلام؟.

لماذا نعطيهم ذرائع أكثر؟ ليجعلوا عشرين أو خمسين دولة، عشرين دولة عربية وخمسين دولة إسلامية تزدادوا في العدد تمزقاً وهم في أوربا يتحدون، وهم في أمريكا ولايات متحدة.

البلد بحاجة إليكم جميعاً، إلى كل أبنائه بغض النظر عن اتجاهاتهم، فرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عاش في المدينة المنورة حتى مع المنافقين، عاش في المدينة المنورة حتى مع اليهود؛ لأن الغاية مجتمع يبني ولا يهدم، لأن الغاية خدمة الإنسان وعمارة الأرض وبناء الأوطان، أما من يفكر بتدمير أو إيذاء أو قتل، فليس منا في شيء، فليس من الدين في شيء وليس من الإنسانية في شيء، فما المطلوب منا؟

أنا أكرر بعض العبارات التي سمعناها في خطاب الرئيس بشار الأسد

المطلوب منا: الحكمة والرشاد، قال تعالى: {وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً} [البقرة: 269]، فأروا ربكم، وأروا أبناء مجتمعكم، وأروا بلدكم وأجيالكم حكمتكم في معالجة هذه الأزمة.

كل في موقعه، ليتحمل كل منا مسؤولياته بأن يعمل بقدر ما يستطيع {إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ} [هود: 88]، فإذا تكاتفت الجهود وتجمعت الآراء الحكيمة والرشيدة، ينتهي الأمر بخير وسلام، وكلنا يسعى لهذا الخير والسلام.

أيها الأخوة والأحبة:

دعاؤنا لله نرفعه وجبهتنا بين يدي ربنا نضعها لنقول: يا رب جنبنا هذه الفتن ما ظهر منها وما بطن، احقن دماءنا ودماء شبابنا وأبناء مجتمعنا يا أكرم الأكرمين، اللهم آمين.

الخطبة الثانية:

الواحد الأحد، الفرد الصمد، الفعال لما يريد، المتصرف في الكون لما يريد.

اللهم أيد الإسلام والمسلمين وأعل وارفع يا مولانا كلمة الحق والدين.

اللهم من أراد بنا وبالإسلام والمسلمين وأبناء مجتمعنا خيراً فوفقه إلى كل خير، ومن أراد بنا وبالإسلام والمسلمين وأبناء مجتمعنا شراً فاجعل دائرة السوء عليه.

اللهم يا من لا يرد سائلة ولا يخيب للعبد وسائله ويا من أمره بين الكاف والنون وإذا أراد شيئاً قال له كن فيكون نسألك اللهم أن تحفظ علينا ديننا وأن تحفظ علينا أنفسنا، وأن تحفظ علينا عقولنا، وأن تحفظ علينا أعراضنا، وأن تحفظ علينا أموالنا يا أكرم الأكرمين.

اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نسألك أن تكون في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم، جنبنا الخطأ والزلل والذنب والمعاصي كلها يا أكرم الأكرمين.

اللهم اجعلنا آمنين مطمئنين في بلادنا أجمعين وفي سائر بلاد المسلمين.

أصلح أئمتنا وولاة أمورنا يا رب العالمين.

ألهمنا وألّهم الحكام والمسؤولين العمل بكتابك، ألهمنا وألّهم الحكام والمسؤولين اتباع هدي سنة نبيك صلى الله عليه وآله وسلم.

عدد القراء : 1282